قائد الطوفان قائد الطوفان

الهواء والفضاء والتكنولوجيا يفرضون رقابة على المراهقين

 غزة/ أمينة زيارة (الرسالة نت)   

يجلس "معتصم 13 عاما" لساعات طويلة أمام جهاز الكمبيوتر يدردش مع أصدقاء جدد تعرف عليهم عن طريق احد برامج التكنولوجيا الحديثة "الفيسبوك" الذي غزى المجتمعات , وما أن انتهى من دردشته حتى انطلق إلى هاتفه الهوائي يكمل حديثه الذي أوقفه انقطاع "خط الانترنت".

غياب معتصم اللافت عن مجلس الأسرة لفت نظر والده الذي انضم لابنه ليطمئن على دراسته ويناقش ما استعصى عليه من مسائل ومعلومات، وبمجرد دخوله صمت معتصم وعاد لحمل كتابه ليعطي انطباعا بأنه منهمك في دراسته.

هل رقابة الأبناء ضرورية في عصر غزو الـ"فيس بوك" و القنوات الفضائية بما تحمل؟ ولماذا يرفضوها الأبناء؟ وهل هي تدخل في خصوصياته؟ أسئلة كثيرة ناقشتها "الرسالة" مع الأبناء والمختصين.

لا للرقابة الأبوية

وتستنكر الطالبة "عزة" في قسم هندسة الاتصالات تدخل والدها ومراقبته لها أثناء استخدامها للانترنت وتقول: والدي من النوعية المتعصبة جداً، وهو يعلم التخصص الذي ادرسه ورغم ذلك يجلس لساعات طويلة بجانبي وأنا أستخدم الكمبيوتر.

وقالت والدي يعتبر أن استخدام التكنولوجيا الحديثة تؤثر على سلوكنا وأخلاقنا وأنها  وسيلة مدمرة لجيل الشباب، وتضيف: وكذلك يفعل مع أخوتي عند مشاهدة التلفزيون فهو دوماً يجلس بجوارنا ويتحكم بالريموت ويجبرنا على عدم مشاهدة أي برنامج ترفيهية فقط على قنوات الأخبار والأطفال.

فيما يرفض طالب المرحلة الثانوية "هيثم" الرقابة الأبوية ويقول: لا يحق لوالدي أن يتدخل في خصوصياتي كمتابعة أوقات الدردشة التي اقضيها مع أصدقائي، أو تفتيش الهاتف الخاص بي من رسائل وصور، معتبراً أن رقابة الوالدين ليست ضرورية في ظل الانفتاح على جميع وسائل التكنولوجيا من هاتف وكمبيوتر وفضائيات، فهي تدخل في حياتي الشخصية.

أما الطالبة الجامعية "ضحى" فكانت رأيها على عكس سابقيها فقد أكدت على أن الرقابة الأبوية شيء ايجابي ومن حق الآباء المتابعة المستمرة والأشراف على سلوكيات الأبناء خاصة في ظل انفتاح مقيت أثر على الشباب وخلق جيل عابث ضائع يقلد أي سلوك يراه على الانترنت، وشددت على ضرورة أن يكون الإشراف بطريقة ايجابية وداعمة للسلوك الصحيح وأن يسود التفاهم بين الطرفين الابنة وأمها أو الابن وأبيه.

وعن تجربتها تقول ضحى: عندما أحادث صديقتي عبر الجوال أو الانترنت اخبر والدتي عن الموضوع الذي سأتحدث عنه مع صديقتي، وبهذه الطريقة أُطمئن قلب أمي وأطلعها على أموري".

ثقة كبيرة

ومن جانبها أشارت الطالبة الجامعية "ربا" إلى أن والدتها منحتها الثقة الكبيرة والحرية في تصرفاتها ولا تتدخل في شؤونها، وتقول: عند مشاهدة التلفاز تتركني أشاهد ما أريد دون فرض أوامر فهي تعلم سلوكي جيداً ولا تقوم بمراقبتي، مضيفة أنها إذا أرادت أن تذهب لمقهى انترنت لأجل بحث للجامعة فإنها تخبر والدتها.

وتشاركنا والدتها "أم أحمد" الحديث قائلة: لقد ربيت أولادي على الثقة المتبادلة بيني وبينهم، فأمنحهم الحرية في حياتهم الخاصة فلا أفرض على ابنتي مشاهدة هذا البرنامج أو ذاك، فهي تعلم الغث من السمين، وتذكر: عندما طلبت ربا جوالا خاصا كباقي البنات من جيلها وافقت دون تردد لأنها تحتاجه إذا تأخرت في دروسها، وتكمل: أنا لست من الأمهات اللواتي يتدخلن بخصوصيات أبنائي، مضيفة أنها تعتبر نفسها صديقة لابنتها، التي تخبرها بكل ما تقوم به يومياً.

ويؤكد الخريج الجامعي أحمد على حديث أمه قائلا: والدتي ربتنا على الثقة، وخير دليل أنني أجلس لساعات طويلة على التلفاز دون مراقبة من أحد، وكذلك أفتح الدردشة عبر الجوال وأتحدث مع أصدقائي ووالدي يتركاني على حريتي لأنهم يعلمون تربيتهم لأبنائهم.

راقبوهم

ويعرف د. منير أبو الجديان أستاذ علم النفس مفهوم الرقابة قائلاً" هو متابعة الوالدين لسلوك الأبناء سواء البيتي أو المدرسي أو الأقران والإشراف على سلوكهم، مؤكداً على ضرورة التنشئة الاجتماعية التي لها دور كبير في إكساب الخبرات الاجتماعية والثقافية، ويضيف: نعيش في عصر الانفتاح التكنولوجي حيث أصبحت التكنولوجيا متاحة للجميع.

ويعتقد أن كبر حجم الأسرة الفلسطينية وانشغال الأب والأم بالعمل خارج المنزل يضعف عملية الرقابة وبالتالي يعرض الأبناء لوسائل الإعلام والتكنولوجيا بشكل واسع حيث تشتمل على موضوعات مثيرة للغرائز وتخالف التفكير الإسلامي بما تحمله من مفاهيم خاطئة.

وأردف قائلاً: جميع الدول الغربية تعتمد على الانترنت كوسيلة ثقافية وتطور حضاري، لكننا نراه في مجتمعنا الفلسطيني يستخدمه الشباب في نطاق ضيق لإشباع غرائزهم والتعرف على صداقات من الجنسين في جميع دول العالم ، لذا لابد من الرقابة الأبوية.

أنواع الرقابة

يرى د. أبو الجديان إن للرقابة أنواع منها الصارمة والمتشددة والمتسلطة (الديكتاتورية) وتؤدي إلى آثار سلبية على الابن فتجعله يميل للخجل والكبت وتُنشئ شخصية متمردة أحياناً، وكذلك الرقابة التسيبية (المتساهلة) وهي تؤدي إلى مردود سلبي على الأبناء حيث لا يسأل الأب ابنه أين يذهب أو ماذا يفعل؟ وأخيراً الرقابة الديمقراطية والمتفاهمة وهي تبنى على معاملة الوالدين لأبنائهم حسب مستوياتهم العقلية والعمرية وهي من أفضل أنواع المراقبات والمعاملات خاصة في سن المراهقة، مؤكداً على ضرورة الأخذ بهذه المعاملة والتي لا يكون فيها دلال زائد أو إشعار  الابن بالذنب بحيث لا يكون إفراط ولا تفريط.

وقدم أبو الجديان نصيحة للآباء بالرقابة في اختيار القرناء، ليتجنبوا قرناء السوء وضرورة توجيه النصيحة والنقاش الجاد والتعامل مع الشاب المراهق ليس كابن بل كأخ من خلال طرح كل المشاكل بشفافية وبوضوح دون لبس أو غموض، وكذلك أهمية إشعار الشاب المراهق بالاستقلالية وتلبية رغباته والحاجات النفسية في إطار من الواقعية، وضرورة إشاعة جو من الألفة والتعاطف داخل الأسرة، وتوعية الآباء عن طريق توجيه أبنائهم لكيفية استخدام الانترنت والجوال والوسائل العصرية وتعريفهم بمضارها ومنافعها.

 

البث المباشر