قائد الطوفان قائد الطوفان

العيد في مخيم اليرموك "بلا أضاحي"!

صورة من مخيم اليرموك
صورة من مخيم اليرموك

الرسالة نت-محمود هنية

لا تبدو مشاهد عيد الأضحى غريبة في تفاصيلها بالنسبة لأهالي مخيم اليرموك، البقعة التي تعد الأكثر دموية في تاريخ اللجوء الفلسطيني، إذ تتشابه ملامحه كاملة من لون الدم ورائحته المنبعثة في كل مكان، لكن الفرق كان في الأضحية، حيث أن الانسان الفلسطيني بات اليوم "كبش الفداء" الذي يُقدم كأضحية في المخيم الجريح.

اليرموك الذي احتفظ بلقب أكبر مخيمات اللجوء لعدة عقود، حيث كان يعيش فيه قرابة المليون و200 ألف لاجئ، أصبح اليوم خاويًا من سكانه بعدما تبقى فيه ما يقارب ثلاثة آلاف شخص، يعيشون ظروفا انسانية قاهرة، ينهش الفقر والجوع أجسادهم ويلفهم الدمار والركام في كل الأرجاء.

أنهار الدماء وروائحها التي تنبعث في كل مكان، أضحت مشاهد طبيعية اعتاد أهالي المخيم النظر اليها في مشهد يومي، حيث ضجت شوارعهم بأشلاء أبناءهم المنثورة بفعل الحرب المجنونة التي لم تستنثي حجرًا أو حتى بشرًا الا وطالته.

عيد الأضحى لا يشكل للمخيم سوى ذاكرة مؤلمة تُحيي فيهم معاني الالم والوجع، وتذكرهم بمن ذبحتهم أيدي الغدر دون رأفة أو رحمة، فهم ليسوا بحاجة لأضحية يقدمونها قرباناً في العيد، كونهم يقدمون في كل يوم قرابين.

وتوثق المنظمات الحقوقية استشهاد ما يزيد عن ثلاثة آلاف فلسطيني من أهالي المخيم، ونزوح حوالي 60 ألف من ابناءه داخل وخارج الاراضي السورية، بينما لا يزال مصير حوالي 3 آلاف من أبنائه مفقودين بفعل الخطف على يد النظام السوري ومجموعات مسلحة.

وتؤكد مجموعة العمل لأجل فلسطينيي سورية، أن المئات من اللاجئين الفلسطينيين داخل المخيم، لا يُعلم مصيرهم داخل سجون النظام، ويُقتلون تباعًا قتلا وجوعا وتعذيبًا، أضف اليه سيطرة تنظيم الدولة على مساحة المخيم بعدما هجمت عليه وقتلت العشرات من ابناءه.

داخل حدود المخيم المحطم، تمكنت "الرسالة نت" وبصعوبة بالغة من وصف بعض معاني الأحداث هناك، في ظل سوء عملية الاتصالات وقلة الناشطين المتواجدين داخل المخيم، والذين اقتصر عملهم في أولى أيام العيد على توزيع لحوم الاضاحي التي استطاعوا تحصيلها من بعض المؤسسات المانحة.

ويؤكد أبو محمد، وهو أحد المنسقين الاغاثيين داخل المخيم، أن اليرموك لم يضحي هذا العام بالمواشي، لعله يكتفي بما يضحيه طيلة العام من فلذات كبده، عدا عن عدم توفر المواشي أصلا، إذ تمنع الجماعات التي تسيطر على المخيم ادخالها.

ويصف أبو محمد في حديثه لـ"الرسالة نت" مظاهر العيد بأنها خفتت بشكل تام، إذ أن سكاكر العيد حتى لم يُسمح إلا بإدخال القليل منها، كما أن كعك العيد أصبح أمرًا صعب المنال، وما يتوفر منهما ثمنه مرتفع جدًا لدرجة أن كثيرا من العوائل المتبقية لا تقوى على شراءها، بحسب أبو محمد.

وأدّى أهالي المخيم صلاة العيد في مسجدي عبد القادر الحسيني وفلسطين، وهما أكبر المساجد داخله، وقد نالهما جزء كبير من الدمار، ليتجهوا بعدها نحو مقبرتي الشهداء القديمة والجديدة لزيارة ذويهم، وهي عادة دأب عليها سكان المخيم منذ بداية الصراع واستشهاد عدد منهم.

احدى المتبقين في المخيم كانت أم علاء، وهي أم فلسطينية فقدت ثلاثة من ابناءها، اثنين منهم اغتالهم النظام السوري، والثالث اُغتيل على يد مجموعات مساندة للنظام، فيما لا يزال قلبها يكتوي على ابنتيها سمية واسراء اللواتي تم اختطافهن قبل عدة أشهر على احدى الحواجز العسكرية التابعة للنظام، ولا تعرف عنهن شيئًا.

تقول أم علاء التي تحدثت معها "الرسالة نت" في ظرف غاية في القسوة والألم، إن آخر معلومات وردتها عن ابنتيها تشير إلى بقاء احداهما حية في مركز توقيف تابع لقوات النظام في جنوب دمشق، أما الاخرى "اسراء" فوردت انباء تشير الى وفاتها بسبب التعذيب ولكن النظام يرفض تسليم جثتها.

وتؤكد أن المعلومات لديها غاية في الضبابية، حيث يقول لها النظام ان احداهن على قيد الحياة والاخرى ميتة، ومرة اخرى يعود ويقول ان كلاهما على قيد الحياة، ولكنه في كل الاحوال يرفض طلبها بأن تتسلم جثة ابنتها لو كانت فعلا ميتة.

ما هو مؤكد أن كلتاهما تعرضتا لتعذيب وحشي، وفق ما توثقه منظمات حقوقية، تبين تعرض اغلب المعتقلين والمعتقلات داخل السجون إلى تعذيب وتجويع، أدى الى قتل الكثير منهم.

وتتواصل في المخيم أزمة قطع المياه لليوم الـ27 على التوالي، حيث يضطر السكان بمن فيهم الأطفال لحمل البراميل البلاستيكية وخزانات المياه من منازلهم وأسطح أبنيتهم لتتم تعبئتها بصورة شبه يومية من نقاط محددة في المخيم تم حفرها لسحب المياه الجوفية منها.

وتعتبر المياه التي تُقدم للنازحين غير نقية وتصعب فلترتها لعدم توافر مادة الكلور في اليرموك. وكان الهلال الأحمر الفلسطيني قد حذر من كارثة إنسانية في حال تواصل أزمة مياه الشرب، وفق مجموعة نشطاء لاجل اليرموك.

ويشهد المخيم إغلاقا تاما لمداخله، حيث يتم توزيع مساعدات محدودة من قبل الأنروا كل فترة على الأهالي لا تكفي للحاجة الكاملة لهم، في حين يعاني اليرموك نقصا بالمواد الغذائية وغلاءً كبيرا في أسعارها.

كما تنعدم في داخله الرعاية الطبية، ويشكو السكان غياب المحروقات والوقود اللازمين للتدفئة وتشغيل المركبات، فضلا عن الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وشبكات الاتصال بالمخيم.

والجدير ذكره، أن اليرموك لا يدخل ضمن تصنيفات الأنروا، بل يعتبر جزءا من التنظيم الإداري والمحلي للعاصمة السورية دمشق، هذا وأقام بداخله مليون ونصف المليون شخص بينهم ربع مليون فلسطيني.

البث المباشر