يهدد مشروع ضخ المياه المالحة جنوب قطاع غزة والذي بدأت مصر بتنفيذه منذ أسبوعين حياة 300 ألف مواطن يسكنون في مدينة رفح، خاصة وأن المشروع يحمل آثارا بيئية واقتصادية مدمرة بحق السكان وممتلكاتهم .
افتقار قطاع غزة للمياه الصالحة للشرب والتحذيرات المتكررة التي أطلقتها العديد من المؤسسات الدولية بأن غزة ستعاني العطش خلال السنوات القادمة لم تشفع لسكانها عند جيرانهم المصريين الذين أصروا على تدمير ما تبقى من المياه الجوفية التي يعتمد عليها الغزيون في الزراعة والشرب.
ومع توفر معلومات ضئيلة عن المشروع الذي بدأ سرًّا ، إلا أن الثابت من خلال لقطات حية بثتها بعض المواقع الإخبارية أن السلطات المصرية عملت خلال الأشهر القليلة الماضية على "حفر مجرى مائي يمتد بطول المنطقة الحدودية المتاخمة لغزة، وتحديدًا في المنطقة العازلة التي أقامها الجيش، أي حوالي 13 كيلو مترًا وبعمق يتراوح من 6 إلى 8 أمتار، لضخ المياه عبر أنابيب ضخمة ممدودة داخل هذا المجرى"، وفق تصريحات لرئيس اتحاد قبائل سيناء، إبراهيم المنيعي.
أرئيل شارون رئيس حكومة الاحتلال الأسبق وصاحب القرارات الأقوى في تاريخ دولة الكيان عجز عن تنفيذ هذا المشروع رغم أن حكومته طرحت مناقصات وعطاءات لشركات هندسية لتنفيذ القناة المائية على محور فيلادلفيا في ذلك الوقت لكونه سيعمل على تدمير قرابة 3 آلاف منزل في المدينة.
تدمير بيئي
تلك المخاوف لم تكترث لها السلطات المصرية وأصرت على المضي قدما في تنفيذ المشروع متجاهلة تبعاته الكارثية على السكان والمنطقة برفحها الفلسطينية والمصرية أيضا.
وبررت السلطات المصرية هذا الإجراء بأنه مهم لوقف عمليات التهريب التي تتم عبر الأنفاق من قطاع غزة وإليه، خاصة تهريب الأسلحة والأفراد، مما يؤجج العمليات الإرهابية في منطقة سيناء، بحسب السلطات المصرية.
إلا أن خبراء البيئة أكدوا أن ضخ كميات كبيرة من مياه البحر أو مياه الصرف التي استخدمت في تعبئة القناة سوف تتسرب إلى التربة ثم تختلط بالمياه الجوفية، وهذا يعني أن السكان على الحدود لن يتمكنوا من استخدام المياه الجوفية من خلال الآبار، بسبب الارتفاع الشديد في ملوحتها ، فكوب من مياه البحر المالحة سيلوث 40 كوبًا من المياه الجوفية العذبة؛ مما يعني تدمير الخزان الجوفي.
وبحسب المهندس كنعان عبيد رئيس سلطة البيئة بغزة فإن ضخ مياه مالحة على طول الحدود، وحقنها في جوف الأرض، سيؤدي إلى انتقال ملوحة مياه البحر عبر طبقات التربة مسببة ارتفاعًا شديدًا في ملوحة المياه الجوفية بمقدار 40 ضعفًا".
بدوره يقول نائب رئيس سلطة المياه في قطاع غزة مازن البنا إن: "حفر السلطات المصرية قناة مائية على الحدود مع قطاع غزة، يشكل تهديدًا خطيرًا على الأمن القومي المائي للمصريين والفلسطينيين على حدٍّ سواء، لاشتراكهم في الخزان الجوفي ذاته". وأضاف: "إن أنشأت مصر بركًا مائية أو مدّت أنابيب في أعماق الأرض، تحتوي على مياه البحر شديدة الملوحة بدعوى تدمير أنفاق التهريب، فإن هذا يؤدي إلى تدمير الخزان الجوفي".
وبما أن المنطقة من الجانب المصري خالية من السكان بعد عمليات التهجير التي تمت، يبقي التخوف محصورًا في السكان الفلسطينيين المعرضين أكثر للخطر، فضخ المياه سيزيد من تملح التربة المحيطة على طول الشريط الحدودي، وهذا سيؤدي إلى حدوث انهيارات أرضية في المنطقة الحدودية، واختراق المياه للمناطق السكنية مما يهدد سلامتها، وسلامة البنى التحتية من شبكات الصرف الصحي وشبكات مياه الشرب والهواتف والكهرباء الأرضية.
أما صحيا، فحذر البنا أن هذا المشروع سيعرض حياة المواطنين للخطر خاصة في ظل الحديث عن انهيار شبكات الصرف الصحي وما يصاحبها من انتشار الأمراض، مشددا على أن خطورة هذا المشروع تكمن في تدمير شامل للمنطقة بسبب هذه المياه المالحة وتأثيرها على التربة والمساكن ومياه الشرب وتأثير ذلك على قطاع غزة بشكل عام حيث تعتبر المناطق الجنوبية السلة الغذائية للقطاع.
خارج عن القانون
وزارة الزراعة بدورها حذرت من المشروع ،معتبرة انه من حق مصر حماية حدودها بما لا يتجاوز ضرره حدود أراضيها .
وبين م. نزار الوحيدي مدير عام التربة و الري في وزارة الزراعة إن تلك المشاريع بحسب القانون لا يمكن تنفيذها الا باتفاق بين الاطراف المعنية وهو ما حدث بين مصر وأثيوبيا في مشروع سد النهضة.
وذكر أن فلسطين تعتمد بشكل كلي في المورد المائي على الخزان الجوفي والذي يعاني من الاستنفاد بسبب السحب دون التعويض وفي حال حدثت فيه أي مشكلة لا يمكن إصلاحها، موضحا أن منطقة غرب رفح هي الافضل في عذوبة المياه وتروي آلاف الدونمات في منطقة خانيونس ورفح .
ويتوقع الوحيدي تدمير 3 الاف بئر تضخ بمعدل 20 مترا مكعبا أي ما مجموعه 60 الف خلال العام الأول فقط، مؤكدا أن 30 ألف دونم ستخرج من دائرة الانتاج نتيجة تملح المياه والتربة وهو ما سيؤدي لهجرة بيئية لسكان المنطقة ، خاصة وان التاريخ يثبت أن كل الحضارات التي اندثرت كانت لأسباب تحولات مناخية وبيئية .
واقترح حل المشكلة من خلال ضخ مياه عذبة تفيد الخزان الجوفي في المنطقة المصرية والفلسطينية بواسطة الآبار المنتشرة على الحدود.
إجراءات السلطات المصرية لا تقف عند حد الإضرار بالبيئة والاقتصاد بل تخالف المواثيق والأعراف البيئية وهو ما أكده مدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق، السفير إبراهيم يسري، قائلا :إن ما يحدث على الشريط الحدودي مع قطاع غزة "خطوة غير مسبوقة في تاريخ البلدان العربية، وتطبيق لمشروع شاروني بغيض".
وتوقع أن تستمر مصر بالتصعيد تجاه قطاع غزة، معللا ذلك بأنها "تسعى لاستفزاز الشعب الفلسطيني؛ ليقوم بأي رد فعل يسوغ قيام السلطات المصرية بعمل عسكري لصالح الكيان الصهيوني ضد القطاع".
وأضاف يسري في تصريحات صحفية أن "إغراق الشريط الحدودي بمياه البحر المتوسط جريمة دولية، وتتعارض مع مبادئ الإنسانية"، مطالبا بأن "يسري على منفذ رفح؛ ما يسري على منافذ الجمهورية، وهو الأمر المثبت بالقانون "، كما قال.
وتابع: "هذه المنافذ خاضعة لقوانين، ولا يحق للحكومة أو الرئاسة إلغاؤها، وإنما بمقدورها تعليقها لفترة محددة، مرتبطة باعتبارات تتعلق بالأمن القومي، ولا يوجد في الوقت الحالي ما يبرر ذلك".