قائد الطوفان قائد الطوفان

ثلاث سنوات على رحيل قائد أركان المقاومة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

​غزة - الرسالة نت

الرابع عشر تشرين ثاني نوفمبر عام 2012 اغتالت طائرات العدوان الصهيونية الشهيد القائد أحمد الجعبري المسئول العسكري لكتائب عز الدين القسام بجوار محطة وقود شعث في عملية اجرامية، أعلنت بدء الحرب على قطاع غزة والتي استمرت ثمانية أيام استطاعت المقاومة الفلسطينية ضرب "تل أبيب" ومدينة القدس المحتلة وشلت الحياة في الكيان الصهيوني .

ثلاث سنوات مضت على هذه الملحمة التي سجلها أبناء الشعب الفلسطيني بصمودهم وبضربات المقاومة الفلسطينية الناجحة، التي شلت الحياة في غلاف غزة على بعد 40 كيلو من الحدود بل تعدى الامر الى وسط دولة الكيان الصهيوني لتتجاوز القدس و"تل ابيب" في ضربات مركزه وقوية.

الجعبري أوفى بوعده

وسيذكر التاريخ أن المجاهد القسامي أحمد الجعبري استشهد في الذكرى السنوية الأولى لإتمام صفقة (وفاء الأحرار) التي فاوض خلالها الاحتلال على إطلاق 1047 فلسطينيا من الأسر مقابل إطلاق المقاومة سراح الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط.

إنه أحمد سعيد خليل الجعبري الذي استشهد عن عمر 52 عاماً قضاها مدافعا عن الأرض والعرض، مجاهدا في سبيل الله، رافعا لواء الدين، معليا كلمة الحق.

والشهيد الجعبري من مواليد عام 1960، ومن سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حاصل على شهادة البكالوريوس في تخصص التاريخ من الجامعة الإسلامية بغزة.

ومن أبرز مقولاته: "ما دام الصهاينة يحتلون أرضنا فليس لهم سوى الموت أو الرحيل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة".

لم يكن ظهور أحمد الجعبري، القيادي البارز في "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بشكل علني خلال تسليم الجندي الصهيوني  جلعاد شاليط للمخابرات المصرية يوم 18 (أكتوبر) 2011 ظهورًا عبثيًّا، وهو يعرف أن الاحتلال لن يتركه، لا سيما وهو يضعه على رأس المطلوبين لها.

إلا أن ظهوره هذا كان بمثابة رسالة موجهة للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أنه أوفى بالوعد الذي قطعه على نفسه، وهو يودعهم قبل الإفراج عنه من تلك السجون عام 1995م؛ ليؤكد لهم أن هذا الوعد لم يكن وعدًا في الهواء بل كان وعدًا حقيقيًّا وصادقًا، قطعه على نفسه، وسعى لتحقيقه، لإدراكه أكثر من غيره المعاناة الحقيقية التي يعيشها الأسرى في سجون الاحتلال، وأنهم على رأس أولوياتهم.

وظهر الجعبري فور وصول السيارة التي كانت تقل شاليط قادمًا من مخبئه على يسار السيارة، وحينما ترجل شاليط من السيارة اتجه الجعبري الذي كان يرتدي قميصًا سماويًّا إلى يمين شاليط وضابط المخابرات المصرية على يساره يمسكه بيده. وكان لهذا المشهد حينها أثر كبير على الأسرى داخل سجون الاحتلال، فهذا الرجل عاش مع الأسرى ثلاثة عشر عامًا كاملة، وفارقهم قبل ستة عشر عامًا بعد الإفراج عنه بعدما أتم مدة محكوميته، متعهدًا لهم أن لا يبقى أي أسيرٍ منهم داخل هذه السجون.

وأدرك الشهيد الجعبري، بعد أن أمضى 13 عامًا قضاها في سجون الاحتلال (من عام 1982- 1995) أن تحقيق هذا الوعد ليس سهلاً ولكنه في الوقت ذاته ليس مستحيلاً، فعمل على تحقيق ذلك من خلال أسر جنود الاحتلال، وقد كان له ذلك بعد عشرة أعوام من الإفراج عنه، وذلك حينما تمكنت "كتائب القسام" وفصيلان آخران من أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط في عملية فدائية نفذت صيف 2006م داخل أحد المواقع العسكرية للاحتلال جنوب قطاع غزة.

وتعود أصول عائلة الجعبري، إلى مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، التي انتقلت إلى قطاع غزة مطلع القرن الماضي، حيث ترعرع نجلها أحمد في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، واعتقل حينما كان يبلغ من العمر 18 عامًا بتهمة مقاومة الاحتلال.

مرحلة جديدة

وحسب الذين عايشوا الجعبري في المعتقل،  فإنه كان يتمتع بشخصية قوية وصاحب فكر وثقافة واسعة وشاملة للإسلام وللقضية الفلسطينية، وكان يجيد اللغة العبرية بطلاقة، وصاحب علاقات كبيرة ووثيقة مع كافة التنظيمات الفلسطينية المختلفة .

كرّس الجعبري وقته خلال اعتقاله في السجون المركزية في السنوات التسع الأولى من اعتقاله للاطلاع وخدمة المعتقلين، وقاد معهم عددًا من الإضرابات، والتي انتزعوا فيها الكثير من الإنجازات، وكان في كثير من الأحيان يمثل الأسرى أمام إدارة السجن التي كانت تحترمه كثيرًا وتهابه كذلك لمواقفه القوية والحازمة.

العمل العسكري

استلم الجعبري ملف الأسرى، حيث كان نشيطًا في هذا مجال بشكل كبير، جعل الجعبري يتفرغ للعمل في المجال العسكري لاسيما بعد الإفراج عن الشيخ صلاح شحادة من سجون الاحتلال عام 2000م، والذي كانت تربطه به علاقة قوية داخل السجن، ولاحقًا أصبحت علاقة نسب ومصاهرة.

وكان للجعبري دور كبير في قيادة العمل العسكري في انتفاضة الأقصى وتدرج في قيادة كتائب "القسام" ولعب دورًا لوجستيًّا كبيرًا، لاسيما بعد استشهاد قائدها العام صلاح شحادة، حيث عمل الجعبري على زيادة تدريب وتسليح كتائب القسام بشكل كبير، وحوّلها من مجموعات مسلحة إلى جيش شبه نظامي يتكون من ألوية وسرايا.

وبرز الجعبري بشكل كبير بعد نجاته من عملية اغتيال في السابع من آب (أغسطس) من عام 2004م حينما قصفت طائرة صهيونية  منزل عائلته في حي الشجاعية شرق مدينة غزة فقتلت نجله محمد (23 عامًا) وشقيقه فتحي (38 عامًا) وصهره وعددًا من أقاربه ومرافقه علاء الشريف (27 عامًا)، إلا أنه أصيب بجراح طفيفة.

وبعد هذه العملية اختفى الجعبري عن الأنظار تمامًا لمدة عام تقريبًا، حيث ظهر بعد ذلك في إحدى الاعتصامات لأهالي الأسرى في مقر الصليب الأحمر بغزة، لكن بعيدًا عن وسائل الإعلام.

ظل الجعبري بعيدًا عن وسائل الإعلام، حيث ظهر في برنامج وثائقي واحد وتحدث عن نفسه وعن الجهاز العسكري لحركة "حماس"، إلا أنه بعد ذلك لم يصدر عنه أي تصريح وتوارى عن الأنظار بالكامل.

أسر شاليط

كثر الحديث عن الجعبري بعد أسر الجندي جلعاد شاليط في 25 حزيران (يونيو) 2006 وبدأت المصادر الصهيونية تحمله المسؤولية عن ذلك دون أن يظهر هو في أي مكان أو يصدر عنه أي تصريح.

وتحدثت الدولة العبرية عن أنها أخفقت خلال الحرب على غزة قبل عامين من تصفية الجعبري، وذلك على الرغم من رصده في أكثر من مكان حسب ادعائها، وأنها على يقين أنه الرجل الوحيد الذي كان يتحكم بمصير شاليط.

وأضاف مقربون من الجعبري أنه من كان يقود المفاوضات غير المباشرة حول شاليط بالإضافة إلى ثلاثة قادة آخرين، وأنه كان حاسمًا في ذلك الأمر ولا تؤثر عليه أي ضغوط خارجية، وكان يدرك طبيعة القائمة التي وضعها للأسرى والتي من المقرر أن يفرج عنهم بموجبها وتنوعها، بحيث تشمل الأسرى القدامى وكذلك قادة الفصائل والنساء والأطفال والمرضى ولكل اسم في هذه القائمة معنى عند هذا الرجل.

وحسب مراقبين فإن "حماس" تمكنت خلال مفاوضاتها غير المباشرة أن تفرض شروطها على الجانب الصهيوني  وتم كسر الكثير من المعايير، وأن المفاوض الفلسطيني يتمتع بخبرة وصبر كبير ويعرف ماذا يريد وليس بالسهل الضغط عليه، لاسيما بعدما فشلت دولة الاحتلال  باستعادة شاليط بالقوة.

وكان  الجعبري عنيدًا جدًّا في انتزاع حقوق الأسرى خلال المفاوضات مع إدارة السجون، حيث كان صعبًا جدًّا في التفاوض على "ملعقة" يطلب دخولها للأسير وهو معتقل، ويرفض التنازل عنها فما بالك حينما يتفاوض على حرية أسرى أمضوا سنوات في سجون الاحتلال وبيده جنديٌّ صهيوني وهو خارج المعتقل وتحت إمرته الآلاف من المقاتلين المدربين والمجهزين جيدًا، بحسب المقربين منه.

ورفض الجعبري قبل عام تقريبًا الحديث عما يدور في المفاوضات، مكتفيًا برسالة وجهها للأسرى قال فيها: "اطمئنوا.. قضيتكم في يدٍ أمينةٍ ومفاوض عنيدٍ وصلبٍ لا تؤثر عليه أي ضغوط مهما كانت"

بطل "الوهم المتبدد" يرتقي شهيدا

اورتقى أحمد الجعبري شهيدا، ومرافقه محمد حامد الهمص في غارة نفذتها طائرة صهيونية  الأربعاء 14 تشرين ثاني (نوفمبر) 2012، بعد سنوات طويلة من مطاردة الاحتلال له، صاغ ملحمة "الوهم المتبدد"، وبهر العالم حينما تمكن من الاحتفاظ بشاليط أكثر من 4 سنوات، لم تتمكن أجهزة الأمن الإقليمية ولا العالمية من معرفة مكانه.

 

البث المباشر