لم تنفك محاولات الدول الحليفة لـ(إسرائيل) عن تقديم المبادرات الهادفة لإجهاض الانتفاضة الثالثة، وذلك من خلال إيهام الفلسطينيين بإمكانية إحلال السلام في المنطقة، عبر إحياء عملية المفاوضات من جديد.
آخر هذه المحاولات جاءت من "توني بلير" رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي دعا إلى اتفاق سلام إقليمي فلسطيني-إسرائيلي على شكل مبادرة سلام عربية "منقحة ومحدثة"، يتضمن الانسحاب إلى حدود 1967 مع تبادل أراض.
ولم يأتِ هذا المسعى لـ "بلير" من فراغ، وإنما نابع من عدم دعم السلطة برام الله للانتفاضة، ومن حديث رئيس السلطة محمود عباس المتكرر عن السلام مع (إسرائيل) واستعداده للعودة للمفاوضات، فضلاً عن دعم بعض دول الإقليم العربي لهذا التوجه "العبثي". علماً أن "بلير" أيد تأكيدات رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" بأن توجه الدول العربية المعتدلة تجاه (إسرائيل) أصبح أكثر دفئاً وسط تزايد الاضطرابات في الشرق الأوسط!
إنقاذ (إسرائيل) من ورطتها
واعتبر النائب في المجلس التشريعي يحيى موسى في الإطار، أن مسعى "توني بلير" الجديد وأي تجاوب من السلطة برام الله معه "يأتي من منطلق إنقاذ الحكومة الصهيونية من ورطتها ومن الشعور بحالة العجز والإفلاس أمام الانتفاضة التي يخوضها الشعب الفلسطيني".
وذكر موسى القيادي في حركة حماس لـ "الرسالة نت" أن حركته تنظر إلى مسعى بلير الجديد وإلى أي خطوات أخرى في هذا الاتجاه، بريبة شديدة باعتبارها خطوات منسقة لصالح الاحتلال الصهيوني ولا علاقة لها بمصالح شعبنا، محذراً من أن المبادرات السياسية والأوهام دائماً ما تأتي لتشتيت الشعب بعد كل انتفاضة يتوحد فيها.
وأوضح موسى أن جميع الأطراف التي تتدخل لإحياء المفاوضات بين السلطة برام الله و(إسرائيل) لا تملك أن تقدم جديداً فيما يتعلق بالتسوية لأنها تعلم تماماً أن كل هذه الجهود تتكسر على جدار العنصرية والإجرام الصهيوني والرفض للحقوق الوطنية الفلسطينية.
واتهم موسى بعض الأنظمة في الإقليم العربي بتوفير الغطاء للسلطة برام الله لاستئناف المفاوضات، عاداً ذلك تهرباً من الفشل واستقواءً ببعضهم البعض لإجهاض الانتفاضة واحتواءها، باعتبار أن الأخيرة مناخ يضر بمصالحهم الشخصية وضد علاقاتهم المبنية على أساس تصفية القضية الفلسطينية.
وقال " بعض دول الإقليم تتدخل باتجاه التخلص من القضية الفلسطينية لأنها تمثل عامل إزعاج لهم من الناحية الشعبية داخل بلدانهم، ويمكن أن تهدد حالة الأمن التي يظنون أنهم يشعرون بها في أوطانهم".
وحذر موسى من أن كل الجهود التي تُبذل لإحياء المفاوضات والعودة إلى ما يسمى "طريق التسوية" لا تأتي في إطار التسويات والحلول، وإنما في إطار حالة مخادعة جديدة لإجهاض الانتفاضة وإضعافها وتشتيت جهودها باتجاه أوهام يتم تصنُعها في الساحة الفلسطينية.
تردد السلطة حول الانتفاضة
من ناحيته، عبر طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، عن تصوره بعدم تمكن "بلير" من النجاح في تحريك عملية سلام مع حكومة الاحتلال الصهيوني التي تغلق الأبواب في وجه أي محاولات جديدة.
وكمن سبقه، فقد اعتبر أبو ظريفة في حديث لـ "الرسالة نت" أن هناك مشروع للالتفاف على الانتفاضة وإعادة الهدوء مقابل الهدوء على أمل عودة المفاوضات، مشيراً إلى أن مثل هذا المسعى فشل فيه السابق وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" والآن تتكرر المحاولة من زاوية أخرى لذات الوظيفة عن طريق "بلير".
ويرى أبو ظريفة أن تردد السلطة في الدخول بالانتفاضة وعدم توفير عوامل الصمود للشباب المنتفض والحديث المتكرر عن عدم رغبتها في التصعيد "كلها مؤشرات تفتح شهية بلير وغيره لإحياء ما يسمى عملية المفاوضات".
يشار إلى أن "اللجنة الرباعية" كانت قد عينت بلير لدعم الاقتصاد والمؤسسات الفلسطينية استعداداً لإقامة دولة فلسطينية، إلا أنه فشل خلال توليه هذا المنصب لثماني سنوات في تحقيق انفراج، كما أن المفاوضات بين (اسرائيل) والفلسطينيين متوقفة منذ نيسان/ ابريل 2014.
وفسر أبو ظريفة تصوره الذي طرحه في بداية حديثه، بأن أي عملية سياسية في ظل عدم وقف الاستيطان وإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وفي ظل غياب قرارات الشرعية الدولية، وبدون تحديد سقوف زمنية، فضلاً عن عدم وجود رعاية دولية غير الولايات المتحدة الأمريكية أي من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن " ستصبح مجرد أحاديث لا فائدة وجدوى منها"، على حد تعبيره.
وأكد أبو ظريفة أنه من المفترض أن تفتح الانتفاضة الحالية المجال نحو إعادة كل بناء العملية السياسية على شروط وأسس غير التي كانت قائمة عليها، محذراً في نفس الوقت من استخدام الانتفاضة كورقة لتحسين شروط المفاوضات القديمة التي على يد أصحابها وصلت إلى طريق مسدود.
ومن وجهة نظر أبو ظريفة، فإن ما أسماها "المفاوضات المتوازنة" هي التي تخضع للشرعية الدولية بما فيه قرار الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب وتحديد حدود هذه الدولة وانسحاب إسرائيلي من كل أراضي الدولة على أن تكون خالية من الاستيطان وعاصمتها القدس الشرقية، وما دون ذلك سيكون استثمار للانتفاضة بشكل خاطئ.