بدأت تصريحات الرئيسين عباس والسيسي حول وجود "تنسيق تام" بينهما في إجراءات تأمين الحدود بين قطاع غزة وسيناء، تظهر مؤشراتها ميدانيا، في إجراءات حفر الخندق المائي خلال المدة الماضية، التي أدت في أحدث فصولها إلى محاصرة 28 عاملا فلسطينيا في نفقين تجاريين، بعد ضخ المياه بداخلهما، أثناء محاولة ترميمهما قبل أيام.
ورغم أن أصحاب الأنفاق يحرصون على أخذ الاحتياطات الأمنية، بالاختفاء عن أعين الجيش المصري المتربص بأي حركة على الحدود، إلا أنهم يفاجؤون بوصول وحدات الهندسة إلى أنفاقهم بكل سهولة، مع العلم أن الجيش المصري أعلن منذ أيام تدمير 20 نفقا خلال شهر نوفمبر المنصرم، بعد تأكيدات سابقة له بالقضاء على "نسبة كبيرة" من الأنفاق الأرضية، ما يضع علامات استفهام حول وجود أعين للجيش في الجانب الفلسطيني، ومتغيرات طرأت على آلية التعامل مع الأنفاق، من ناحية اكتشاف الكثير منها.
إحدى حلقات التواصل المباشر بين أجهزة أمن السلطة في رام الله وقوات الجيش المصري والمخابرات، ظهرت لـ"الرسالة" خلال محاولة الدفاع المدني إنقاذ العمال الذين حوصروا في أحد الأنفاق، إذ تفاجأ الجميع باتصال شخص مجهول على صاحب النفق معرفا نفسه بأنه عضو في جهاز أمني من رام الله يوّد المساعدة والتنسيق لإخراج العمال من النفق وتأمينهم.
أسئلة كثيرة طرحها هذا الاتصال، كيف علمت سلطة رام الله بحادثة النفق، في ظل إحاطة الموضوع بتكتيم إعلامي كبير؟ وما مصلحتها في طرح المساعدة دون طلبها؟ ومنذ متى تسعى السلطة لمساعدة أصحاب الانفاق؟ وكيف وصلت إلى هوية صاحب النفق تحديدا؟
صاحب النفق نقل لـ"الرسالة" تفاصيل ما جرى بعد رفضه في بادئ الأمر، ويقول: "تفاجأت خلال متابعتي لمحاولات إنقاذ العمال باتصال من رقم خاص، في بداية المكالمة أبلغني أنه من رام الله ويوّد مساعدتي في إنقاذ العمال بالنفق الخاص بي".
وفي تفاصيل المحادثة التي جرت بينهما، يذكر صاحب النفق أن رجل الأمن في رام الله أصرّ على تقديم المساعدة من خلال طرح عدة حلول، إلا أن الإجابة القطعية من صاحب النفق أنه أخرج العمال وهم بصحة جيدة، رغم أن الواقع كان غير ذلك، مما تحتّم عليه إنهاء المكالمة بعد دقائق قليلة.
جدير بالذكر أن هناك عشرات الضباط الفلسطينيين، العاملين بأجهزة مخابرات السلطة، يتواجدون في مدينة العريش على بعد 45 كم من حدود غزة، بعد هروبهم من القطاع؛ إثر أحداث عام 2007، مما قد يسهل عملية التواصل بين الطرفين بشكل دائم، عدا عن المعلومات التي حصلت عليها "الرسالة" سابقا حول مشاركتهم في التحقيقات التي يجريها الأمن المصري مع الفلسطينيين المعتقلين بسجونه.
التضييق على غزة هي مصلحة السلطة الفلسطينية ومصر، حيث هناك توافق على زيادة الضغط بشتى الوسائل، وفي مقدمتها إنهاء ظاهرة الأنفاق تماما، التي تمثل شرايين الحياة لقطاع غزة في ظل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 2006، وهذا ليس خفيا، إذ أعلن عباس في أكثر من محفل أن السلطة قدمت للمصريين "مخططات لإغلاق الأنفاق" التي كان آخرها الخندق المائي.
مصدر مسؤول في مخابرات السلطة الفلسطينية أكد لـ"الرسالة" أن العلاقات مع المخابرات المصرية توصف بـ"الممتازة"، خصوصا عند الحديث في ملف قطاع غزة، "الذي يعتبر أولوية في التعاون المشترك بين الطرفين".
وأشار المصدر إلى إمكانية وجود تنسيق بين السلطة والأمن المصري في ملف الحدود مع غزة "حيث لا إشكاليات في آليات التواصل بينهما"، كما قال، خصوصا في ظل علاقة جيدة تجمع عباس بالسيسي، ووجود عناصر كبيرة تابعة لأجهزة السلطة في القطاع.
وتشارك السلطة في مخططات النظام المصري لإغراق الحدود، رغم أن ذلك على حساب تدمير البنية التحتية لمدينة رفح الفلسطينية، والتضييق على حياة مليوني فلسطيني يرزحون تحت الحصار، بالتوازي مع سياسة الإهمال المتعمدة من حكومة التوافق الفلسطينية منذ صيف 2014.