مقال: هل تُغيّر عملية "ديزنغوف" قواعد اللعبة؟

بقلم : عماد توفيق

في عملية لم تكن مفاجأة إلا أنها أتت مباغتة، لم تحصد الكثير من الضحايا إلا أنها حصدت ما هو أكبر إنها الهيبة.

أثبتت عملية "ديزنغوف" التي نفذها البطل نشأت ملحم، نعم بطل سواء أرسلته داعش أو أرسله حزب الله أو حتى أرسلته فتح أو حماس، لأن كل من يستهدف العدو الصهيوني داخل قلعته الحصينة هو بطل، أثبتت هشاشة هذا الكيان الذي ينجح فيه فدائي واحد وحيد في إفقاد مليوني صهيوني أمنهم الفردي، ويغلقون عليهم أبوابهم بإحكام، لنستعيد معاني الآية الكريمة "ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ".

حالة الرعب التي تجتاح الشارع الصهيوني وحالة الاستنفار الأمني غير المسبوق، والفشل في العثور على الفدائي يعمق الشعور ليس بهشاشة هذا الكيان فحسب، بل يعمق الشعور بضعفه وهوانه، وأنه أخضع العرب بالوهم، وهم الجيش الذي لا يقهر ووهم أذرع الموساد ذي الأيدي الطويلة، وإذ بأنامل غضة تنال من كبريائه وأين في وسط قلعته الحصينة.

عملية ديزنغوف كانت نتاج تسلسل طبيعي لعمليات الدعس والطعن الفدائية التي اجتاحت القدس قبل ان تنتقل إلى مدن الضفة المحتلة.

كما أنها أثبتت أن كيانا مدججا يفشل في الحفاظ على الأمن الشخصي لأفراده هو أعجز ما يكون عن مواجهة الأخطار الخارجية المحدقة به على أكثر من جبهة في الضفة والداخل والقدس والجبهتين الشمالية والجنوبية.

كتلة فلسطينيو الداخل 48 كانت الورقة الأخيرة والكرت الأخطر في يد الشعب الفلسطيني، وتنفيذ أحد أبنائه لهذه العملية يعني دخولهم بقوة للمشهد العام، ويعيد للقضية الفلسطينية صورتها الموحدة، ويدق ناقوس الخطر في قلب أعتى وأخبث أجهزة أمن العدو، علما أن هذه الأجهزة نصحت نتنياهو بعدم إخراج الحركة الإسلامية ذات القوة والنفوذ عن القانون، إلا أنها باتت مجبرة على تنفيذ التعليمات بشن حملة تفتيش واسعة عن الأسلحة في جميع مدن وقرى الداخل الفلسطيني، الأمر الذي سيعمق رغما عن مخططات نتنياهو الشعور الوطني، ويعيد للهوية الفلسطينية في نفوسهم بريقها وألقها من جديد.

أثبتت عملية ديزنغوف أنها مجرد حصاد بسيط لعمليات إحراق أبو خضير ودوابشة، وعمليات تدنيس الأقصى المستمرة، وعمليات الإعدام الميداني للشبان والحرائر في القدس والضفة.

عملية ديزنغوف أثبتت أن أقوى منظمة مقاومة فدائية على الأرض الفلسطينية هي منظمة العمل الفدائي الفردي، لأنها نجحت في قهر أعتى جهاز مخابراتي في الشرق الأوسط، كان الهالك رابين يقول في حقبة التسعينيات والباصات المفخخة ماذا أفعل لرجل يريد أن يموت، ولسان حال أجهزة أمن العدو اليوم يقول ماذا نفعل لفدائي عن سره لأحد لا يبوح.

في الوقت الذي يغرق فيه ساسة السلطة والفصائل في مستنقع الإنقسام الآسن، تعلق عملية ديزنغوف الجرس، وتقول للجميع يجب العمل على تغيير قواعد اللعبة، وتصحيح اتجاه البوصلة، لأن في جعبتنا الورقة الأقوى والتي لم تستخدم بعد.

يجب على مقاومتنا الفلسطينية أن تسارع الخطى للحيلولة دون أن تعمد أطراف أخرى لتوظيف عملية ديزنغوف لأغراضها الخاصة، فسلاحنا نحن أولى بحمله، وأوراقنا القوية نحن أحق باستخدامها لصالح شعبنا وقضيتنا وتصحيح بوصلة أمتنا التائهة.

البث المباشر