192 ساعة من الرعب والاستنفار عاشتها (تل أبيب) العاصمة الاقتصادية لدولة الاحتلال بعد اخفاق المؤسسة العسكرية الاسرائيلية في الوصول للشهيد نشأت ملحم، منفذ عملية ديزنغوف، وفق ما عنونت صحيفة يديعوت أحرونوت، تخلل تلك الساعات منع التجول وإخلاء المدارس ونشر الحواجز العسكرية ومئات عناصر الشرطة.
وبشأن ظروف وملابسات تصفية ملحم (29 عامًا) تعددت الروايات التي قدمها الاعلام العبري، لكن جميعها، وكما هي حال السياسيين الإسرائيليين طغت عليها، لغة التباهي والافتخار بعملية التصفية التي طالت شخصًا أرعب (تل أبيب).
موقع صحيفة يديعوت ذكر في تقرير له حول تفاصيل هذه العملية استنادًا لمعلومات أمنية، أنّه تمّ تلقي معلومة أمنية عن مكان وجود ملحم في قرية عرعرة، وتمّ تنفيذ العملية عصر يوم الجمعة الماضي، لافتا إلى أنّ ملحم بادر إلى إطلاق النار اتجاه قوات الشرطة وعناصر (الشاباك) مستخدمًا ذات السلاح الذي استخدمه في العملية، وهو سلاح والده.
وادّعى تقرير يديعوت أنّ ملحم كان يتواجد في مبنى بقريته القديمة وكان يتلقّى دعمًا من بعض الأشخاص، "الذين يُعتقد أنّ لهم صلة بالحركة الإسلامية".
ونقلت الصحيفة عن سكان المنطقة، أنهم تفاجئوا بوجوده في مبنى قريب منهم، فيما قال أحد السكان للقناة العبرية العاشرة إنّه شاهده في متجر في المنطقة وقام بالإبلاغ عنه، وهو ما يتنافى مع روايات الشرطة والأمن ويظهر حالة البلبلة والإرباك التي تجتاح المؤسسة الأمنيّة.
عملية مطاردة ملحم اعتبرها موقع واللا العبري الأكبر منذ عام 1980، مؤكدا أنّ المعلومات الأمنية تشير إلى أنّهم كانوا يتوقعون وجوده في قريته منذ اليوم الأول للهجوم في (تل أبيب)، وأنّ الطلب من السلطة الفلسطينية والإعلان أنّه قد يكون هرب للضفة الغربية، كان هدفه تضليل ملحم لدفعه إلى الخروج من مخبئه.
من جهته، قال أليف صباغ المختص بالشأن الاسرائيلي من حيفا "إن اغتيال ملحم أدى إلى إغلاق الحساب معه شخصيا، لأن قتله كان مسألة وقت ليس أكثر، بانتظار أن يخطئ خطأه الأول، وهذا ما حصل".
وأشار صباغ في حديث "للرسالة" إلى هناك الكثير من الأسئلة التي بقيت دون اجابات، حول التخطيط للعملية أو الانتقال من مخبئه إلى مكان آخر، ومن ساعده في هذه المهام، وهو ما يعني، وفق قوله، أنه لم يتم توجيهه بواسطة أي منظمة، لكن كان له مساعدون سواء من داخل قريته أو خارجها، لمساعدته في الاختباء والتخفي.
وأكد أن منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة عام 48، بما فيها وادي عارة حيث كان يقطن ملحم، تعتبر من المناطق الأكثر تأييدا للحركة الإسلامية في أراضي الـ48.
وأوضح أن أجهزة الاحتلال عملت في مسارين متزامنين: انتشار أمني مكثف في جميع المناطق التي قد يصلها ملحم، والقيام بحملات اعتقال مكثفة لجميع أفراد عائلته، "وفي النهاية كان هناك تقدير بأنه كان لابد أن يخطئ حتى يصل الأمن إلى مكانه واغتياله، مع أن هناك توصية أمنية واضحة بضرورة إلقاء القبض عليه حيا".
وبرغم أن عملية التصفية للشاب الذي أوقف المدينة التي لا تهدأ قد تمت، إلا أن المطالبات بمحاسبة قادة الأمن "لإخفاقهم في التخلص منه في الحال" لا تزال متواصلة، جاء ذلك في صحيفة يديعوت، التي قالت "على جهازي الشرطة والشاباك أنْ يدفعا ثمن الإخفاق".
وردا على تصريحات نتنياهو التي أعقبت استشهاد ملحم، أكد عمر جعارة المختص في الشأن الاسرائيلي، أن نتنياهو يحاول الاحتفاء بتصفية ملحم، لكنه تجاهل حقيقة أن نشأت وضع دولة بأكملها في طوق لمدة أسبوع، واصفا سلوك نتنياهو بـ"التبجح".
ونقل جعارة قول "ألون بن دافيد" معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة، "إن القادة الميدانيين للجيش في الضفة، الذين يعدون الأكثر أهلية في تاريخ إسرائيل، يقرون بعجزهم عن معالجة الأوضاع الأمنية".
وشدد جعارة في حديثه مع "الرسالة" على أن أفضل العقول في الجيش والمخابرات الإسرائيلية، قضوا عشرات الساعات في البحث سرا حول آليات عمل ناجحة يمكن أن تفضي إلى إنهاء ظاهرة العمليات الفردية التي لا يوجد عليها رد، دون جدوى.
وأكد أن "الذئاب الوحيدة"، وهو مصطلح يطلقه الاحتلال على منفذي العمليات الفردية، يسببون إرباكا حقيقيا في صفوف أجهزته الأمنية، موضحاً أن الأجهزة الاحتلال تبحث في هذه الحالات عن إبرة في كومة قش، حيث لهذا الفرد حرية كاملة في تحركه وتنقله، وهو ما يعطلها في الوصول إلى منفذ العملية، كما حدث في البحث عن الشهيد نشأت ملحم.