يبدو أن حصار قطاع غزة هو الورقة الرابحة في جعبة النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي ليبقى اللاعب الرئيس والاساسي في المنطقة، فمنذ بدء الحديث عن دور تركي مرتقب للتخفيف من حدة الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2007 ومصر تؤكد على لسان الناطقين باسمها رفضها القاطع لأي دور تركي في غزة.
وكانت صحيفة هآرتس العبرية كشفت السبت الماضي عن قلق مصري من تواصل اسرائيلي تركي بشأن تخفيف الحصار عن غزة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي كبير -لم تسمه-أن معارضة مصر تعدّ أحد العوامل التي تعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي للمصالحة بين تركيا و(إسرائيل).
وذكرت الصحيفة أن مصر طلبت من (إسرائيل) إبقاء تركيا بعيدا عن القطاع، وطالبت بتوضيحات بشأن سير المباحثات التي تجريها (تل أبيب) مع أنقرة بهدف التوصل إلى اتفاق مصالحة بينهما، وما إذا كانت (إسرائيل) التزمت فعلاً للطرف التركي بتخفيف حصار القطاع، وفتح الطريق أمام دور مؤثّر لتركيا فيه.
وتتمحور المحادثات التركية - الاسرائيلية حول دفع الاخيرة لتعويضات عن ضحايا الهجوم على السفينة التركية "مرمرة " والعودة لتبادل الموفدين بين الدولتين وبدء محادثات حول تصدير غاز الى تركيا وفي المقابل تخفيف حدة الحصار عن قطاع غزة.
الموقف المصري من الدور التركي وحصار غزة الذي تحدثت عنه صحيفة هآرتس لم يكن مفاجئا لنظام السيسي الذي اتخذ موقفا واضحا عقب الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي من تجفيف منابع الفلسطينية في القطاع، وسبق أن كشفت القناة العبرية الثانية عن تحذير مصري لـ(إسرائيل) من اعطاء أي انجاز تركي لصالح رفع الحصار عن غزة ، كما افشل الجانب المصري في وقت سابق مساعي طوني بلير المبعوث الاممي السابق الذي حاول من خلالها رفع الحصار وتحقيق بعض المطالب الفلسطينية ومن بينها اقامة ميناء بحري ومطار.
ولم يقتصر الدور المصري عند معارضة ورفض أي مبادرات لتخفيف الحصار عن القطاع بل لعب نظام السيسي دورا رئيسيا في تشديد خنق القطاع من خلال الاغلاق المتواصل لمعبر رفح امام المرضى والطلاب والمساعدات الانسانية طيلة العام الماضي ضاربا بعرض الحائط المطالبات الدولية والحقوقية بفتحه، وضخ مياه البحر على طول الحدود مع القطاع لإنشاء قناة مائية والقضاء على أي فرصة لحفر الانفاق الرئة التي يتنفس منها الغزيون.
ويتضح من الموقف المصري الاخير أن الحصار بات مطلبا مصريا أكثر منه إسرائيليا، كونه الورقة الرابحة في جعبة نظام السيسي ليبقى اللاعب الرئيس والأساسي في المنطقة.
وعلى ما يبدو أن كره نظام السيسي لحركة حماس وخشيته من اتساع نفوذها وقوتها على حساب سلطة عباس هو الدافع الرئيس للتصلب وعدم التعاطي مع أي مبادرة لتخفيف الحصار عن القطاع فيما يعتقد آخرون أن الموقف ينبع من باب رد الجميل لحكومة نتنياهو على موقفها من الانقلاب.
ويعتقد المراقبون ان بقاء الحصار يعني بقاء حركة حماس تحت رحمة وضغوط النظام المصري، وإنهاء الحصار وتشغيل ميناء غزة يعني عمليا تحرر حماس من الضغوط المصرية، وبالتالي تفقد القاهرة دورها في المنطقة والقدرة على الضغط على حركة المقاومة.
وفي المقابل فإن تحرر غزة من الحصار يعني إضعاف دور مصر، وفقدان قدرتها ووظيفتها لدى (تل ابيب) وواشنطن وربما ينكفئ دورها لدرجة الضمور، ولن يكون لها سوى تسخين جبهة سيناء لاستعادته أو إعادة الحصار على غزة.
الكاتب والمحلل السياسي التركي محمد زاهد غول لخص تعقيبه عل الموقف المصري بأن ما يفعله تجاه غزة يصب في مصلحة " اسرائيل ".
وقال في تصريحات للجزيرة:" مصر تريد أن تبقى الطرف العربي والخارجي الوحيد المهيمن على غزة والقادر على التحكم بها تحت كل الظروف ولا ترحب بأي حال من الاحوال بأي دور تركي في غزة.
وأضاف:" إذا كان المصريون جادين في رفع الحصار عن القطاع فبإمكانهم أن يفتحوا معبر رفح بطريقة تضمن سيادتهم عليه، ولكنهم لا يريدون ذلك، ويشعرون أن الورقة الفلسطينية ستخرج من أيديهم".
وأكد أن تركيا تسعى لرفع الحصار عن قطاع غزة في إطار إنساني، غير أن مساعيها تقابل بتعنت واضح من مصر.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال الأسبوع الماضي إن رفع الحصار عن غزة ما زال نقطة الخلاف الرئيسية في المفاوضات مع" إسرائيل"، لإعادة تطبيع العلاقات، وأضاف "نحن بحاجة لإرسال سفينة توفر الكهرباء للقطاع".
يذكر أن صحيفة "حرييت" التركية كشفت أن تركيا طالبت (إسرائيل) بمنحها "سماحا غير مشروط" لتزويد القطاع بالمساعدات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول تركي رفيع أنه "في حال فعلت (إسرائيل) هذا، فإن أنقرة ستعتبر أن (تل أبيب) استجابت لشرطها ورفعت الحصار عن غزة".