أكبر مخاوف الاحتلال "الإسرائيلي" تحققت خلال انتفاضة القدس المستمرة منذ أكتوبر الماضي، بدخول الأراضي المحتلة عام 1948 على خط المواجهة.
ويمكن القول إن أكثر ما يميز الانتفاضة الحالية هو البصمة القوية لفلسطينيي الداخل، وفي الوقت الذي تميزت الانتفاضة بعمليات الطعن نفذ الشبان من الداخل المحتل عمليات تميزت بإطلاق النار لتكون الأقوى والأكثر تأثيراً من حيث النتائج، ليس فقط على صعيد عدد القتلى وانما الضربة القوية التي وجهتها لمنظومة الامن الإسرائيلية.
مشاهد هروب وزحف المواطنين والجنود أثناء إطلاق مهند العقبي النار في محطة الباصات المركزية في بئر السبع، شكلت ضربة قوية للاحتلال الذي كان يعزز من تحصينات مدنه ومستوطناته؛ خوفاً من عمليات فلسطينية دون ان يتوقع أن الضربة الأقوى ستأتي من الداخل ومن بئر السبع التي خضعت لعملية تدجين قوية.
في حين أصبح نشأت ملحم منفذ عملية شارع "ديزنغوف" في (تل أبيب)، أيقونة لانتفاضة القدس التي تعكس أقوى مشاركة لفلسطينيي الداخل في الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.
ويحاول الاحتلال التشكيك باستمرار في منفذي العمليات الفدائية من فلسطينيي مناطق الداخل، والتي لا تخلو من محاولات التشويه ووصفها بالجنائية أحياناً.
ولا يخفي الاحتلال خوفه الكبير من اشتعال جبهة الداخل الفلسطيني، واتساع رقعة العمليات التي تخبو أحياناً حتى يظن الاحتلال أنها خمدت، لكنها سرعان ما تفاجئه بعمليات قوية ونوعية وفي قلب الكيان، ما يجعله أمام تحد كبير.
ويؤكد محللون اسرائيليون أن مشكلة (إسرائيل) الأساسية هي داخل الخط الأخضر ومع مواطنيها الذين يبلغ عددهم قرابة مليون ونصف نسمة، ويشكلون 17% من سكان الكيان، إذ أن عددا كبيرا من العمليات وقع داخل المدن في الداخل المحتل، ونفذ غالبيتها فلسطينيون من 48 أو من القدس.
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى اللداوي رأى ان عمليتي العقبي وملحم شكلت صدمةً ومفاجأةً للعدو الإسرائيلي، أربكته وهزته بعنفٍ، وأحدثت في صفوفه اضطراباً لم يكن يتوقعه، وهو آخر ما كان يأمله في ظل انتفاضةٍ فلسطينيةٍ قوية شملت الوطن وألحقت في صفوفه خسائر كبيرة.
ويشير اللداوي في مقال له إلى أن العمليتين فضحتا المستوطنين، وكشفتا عيوب الجيش والنخبة، واخترقتا الأمن والحماية والاستعداد، وأثبتتا أن الاحتلال يمكن اختراقه ببساطه، وضرب منظومته الامنية التي عجزت عن اكتشاف مكان ملحم إلا بعد عدة أيام.
وتثبت هذه العمليات ضرورة اشراك فلسطينيي الداخل في المقاومة، ووضعهم ضمن أجندات واستراتيجيات المقاومة في ظل الانتفاضة، فاذا كانت الضفة قادرة على ايلام الاحتلال بسبب الاحتكاك اليومي على الحواجز والمدن، فان الداخل قادر على ضرب منظومة الامن للاحتلال من الداخل نتيجة تواجد الفلسطينيين في قلب المدن.
وتخوض مراكز الدراسات الأمنية في (إسرائيل) معركة كي وعي كبيرة ضد الفلسطينيين في الداخل لتغييبه عن قضيته بقدر الإمكان، لأن تحرك الداخل سيقلب المعادلة ويعني أن الاحتلال لن يكون بمأمن داخل المدن التي يحاول أن يحصنها بالجدران والتحصينات الأمنية، وانتفاضة الداخل تعني أنه سيكون بحاجة لتأمين كل منزل وشخص في دولته.
ويعترف الاحتلال أن جبهته الداخلية لا تحتمل عمليات من هذا النوع وقد صرح أكثر من مسؤولٍ إسرائيلي أن كيانه لا يستطيع أن يحتمل عمليةً أخرى كعملية ملحم، وهو التصريح نفسه الذي أطلق عشية عملية العقبي في بئر السبع، ما يعكس حجم الألم والضرر الذي ألحقته هذه العمليات بهم.
والأهم في الأمر أن العمليات في الداخل تعطي مؤشرًا على ارتفاع احتمال تنفيذ عمليات أخرى من جانب الفلسطينيين في الداخل خاصة مع استمرار التحريض والتمييز التي تمارس ضدهم، وكنتيجة طبيعية لسياسة التصعيد في مناطق الضفة وغزة ما يدفع عدد كبير من الشبان إلى العمليات الفردية.
كما أن بروز عمليات بهذه القوة والاحترام الكبير الذي يحظى به الشهداء واعتبارهم رمزاً يفتخر به المجتمع العربي في الداخل يعزز فكرة المقاومة في الداخل ويجعل من هؤلاء الفدائيين نماذج يقتدي بها فتتحول تلك المناطق لساحة مواجهة تضرب استقرار الاحتلال الداخلي.