قائد الطوفان قائد الطوفان

أصغر أسير في العالم..

يوسف الزق.. طفولة تلفها العتمة والقيد

الضفة الغربية/الرسالة نت

هناك خلف الأسوار العالية.. من بين سجان وقيد.. ينتزع الحياة.. أبصرت عيناه العتمة منذ أول لحظة خرج بها إلى هذه الدنيا.. القضبان والقيد أصبحا جزءا من صورة الفضاء الضيق الذي يعيش فيه.. طفل هو، لكن الظلم أقسى من أن يميز, طفل كتب له أن يحمل هم الأمة وحكم عليه بالسجن وهو في رحم أمه.

أطفال الأسيرات الفلسطينيات ممن تقل أعمارهم عن العامين, يجمع الطفل منهم بأمه الأسيرة حتى يبلغ السنتين من عمره ثم يفصل عنها لتقضي بقية حكمها, ويعيش هذا الطفل داخل السجن إن صح لنا القول أنه يعيش, ليعاني مما تعانيه أمه والأسرى كافه بل أكثر.

وفي حالات عدة تعتقل قوات الاحتلال الصهيوني الأم وهي حامل وتقودها إلى السجن وهي تحتضن في أحشائها أسيرا جديدا لم يبصر الدنيا بعد.

من ظلمات إلى ظُلَم

يوسف الزق، خرج من ظلمات رحم أمه إلى ظلمات السجن قبل سنة وسبعة أشهر, يقاسم أمه السجن الذي مر عليها فيه أكثر من سنتين في انتظار الحكم الذي لم يصدر بعد، ويعاني ما تعانيه كل الأسيرات والأسرى داخل السجون.

ويذكر أن عدد الأطفال الذين ولدوا داخل السجون الصهيونية حتى الآن أربعة وهم: وائل ابن الأسيرة المحررة ميرفت طه، ونور ابن الأسيرة المحررة منال غانم، وبراء ابن الأسيرة المحررة سمر صبيح, إضافة إلى يوسف ابن الأسيرة فاطمة الزق وهو حاليا الأسير الطفل الوحيد في السجن.

أحلام أي طفل.. جميلة ببراءتها.. بسيطة ببساطة فهمه للحياة.. ولكن عندما تحيط بها القضبان فستقتصر –قسرا- على سرير مريح ينام عليه, ولعبة يلعب بها خلف الباب الحديدي الكبير.

لكن الأساسيات التي يحتاجها أي طفل في العالم والتي على رأسها الحرية والغذاء الصحي والحليب والفحوصات الطبية والتطعيمات يحرم منها هؤلاء الأطفال فكيف بالألعاب.

تفتيش كهربائي..!

"الرسالة " التقت مع الأسيرة المحررة سعاد ارزيقات من مدينة الخليل لتحدثنا عن بعض تفاصيل حياة يوسف المؤلمة، حيث كانت تقضي محكوميتها في نفس القسم المتواجد فيه يوسف مع أمه، فتقول:"الطفل في سجن الاحتلال الصهيوني يعامل كمعاملة الأسير الكبير يفتش تفتيشا دقيقا بجهاز كهربائي عند الخروج للساحة، التي تسمى "الفورة"، ويحرم من الفورة في حال لم تخرج أمه إليها، وان خرج مع أمه الى الفورة يمنع من الدخول للغرف الا بعد انتهاء ساعات الفورة الثلاث وكثيرا ما كان يوسف يبدأ بالبكاء بعد الساعة الأولى يريد الخروج من الساحة ويمنع من ذلك ويستمر بالبكاء لأكثر من ساعتين".

وتضيف ارزيقات التي أمضت حكما بالسجن مدته سنة وسبعة شهور:"يوسف محروم من الكثير من حقوق البشر حيث يأكل من نفس الطعام الذي يقدم للأسيرات هذا الطعام الذي يفتقر للفيتامينات والمواد الغذائية التي يحتاجها الطفل، هذا إضافة إلى انه محروم هو ووالدته من إدخال الملابس كونهم من غزة والصليب الأحمر خلال عام استطاع مرة واحده فقط  أن يدخل   لهم بعض الملابس".

يوسف والقيد

لنا أن ندرك ما تحمله نفسية يوسف، وهو يرى أمه مقيدة الأيدي والأرجل عند خروجها للعيادة أو للمحكمة أو للزيارة، وما ستتركه هذه المشاهد في عقله الصغير، ولكن الأكثر أثرا وألما حين نعرف أن العقوبات التي تفرضها إدارة السجون الصهيونية على الأسيرة.

حيث أكدت ارزيقات أن هذه العقوبات تشمل الأسيرة فاطمة وابنها على حد سواء، إلا في حالة العزل فان الأم تحرم من طفلها، هذا عدا عن قيد يوسف الخاص والذي يلازمه طيلة طريق المحكمة حيث تقيد أمه لوحدها ويوضع هو في كرسي صغير خاص منفصل عن أمه ويربط في الكرسي ويبقى على هذه الحالة لأكثر من خمس ساعات في مركبة نقل حديدية مصفحة تسمى "البوسطة" حتى وصولهم إلى المحكمة، وهناك يقاسم يوسف أمه زنزانتها التي لا تصلح للبشر لساعات طويلة لا يرى فيها أحدا.

عدد .. عدد

ماما.. بابا.. أول كلمات ينطق بها عادة الأطفال في العالم، لكن كلمات يوسف الأولى كانت مختلفة، حيث قالت ارزيقات أن أول كلمة نطق بها هي "عدد .. عدد", حيث حفرت في رأسه هذه الكلمة ونطقها على مسمع الأسيرات اللواتي شعرن لحظتها بصدمة من الموقف.

وتستذكر الأسيرة المحررة ذلك الموقف قائلة:" شعرنا بالمفاجأة لحظتها فأول كلمة قالها يوسف هي عدد, كل يوم يسمع هذه الكلمة من السجانيين الذين يدخلون على غرف الأسيرات في الصباح والمساء لعدهن ويصرخون لحظة دخولهم عدد عدد، وكان لزاما على الأسيرة فاطمة والدة يوسف أن تجعل يوسف يقف للعدد وان توقظه إن كان نائما ليقف للعدد كأية أسيرة في السجن".

الأسيرات المحررات حملن معهن من داخل سجن هشارون صوراً لحياة هذا الطفل ومدى الترابط الذي يجمعه مع الأسيرات، اللواتي يجدن في حركاته وبراءته متنفسا كبيرا, وتعبر عن هذا الأسيرة المحررة سعاد ارزيقات: "يوسف لعبة السجن وكل الأسيرات يحببنه حبا شديدا فيفرحن لفرحه، ويبكين لبكائه، وقد كنا لا نستطيع النوم حين نسمعه يبكي بعد إغلاق الغرفة عليه مع أمه وأكثر موقف اذكره نظرات يوسف للأسيرات وهن يخرجن لزيارة الأهل وبكاؤه بحرقة يريد الذهاب معنا وتقول له أمه:"إن شاء الله قريبا بتشوف بابا وأخوتك".

ومن الجدير بالذكر فإن يوسف وأمه محرومون من الزيارة لأنهم من قطاع غزة.

سأودعك يا أمي..

أشهر قليلة تفصل بين يوسف وحضن أمه حيث سيتم فصله عن والدته بعد أشهر لإتمامه العامين ليخرج إلى العالم-والى غزة تحديدا حيث تقيم عائلته- أول مرة لوحده.

وتصف الأسيرات المحررات حالة الأسيرة فاطمة مع اقتراب موعد خروج يوسف بالمأساوية حيث تقضي الساعات الطوال بالبكاء والدعاء بأن لا تحرم من يوسف وأملها كبير بأن يفرج عنها مع ابنها وتؤازرها بهذه المشاعر الأسيرات اللواتي يشاركنها الدعاء.

وبفراق يوسف لأمه يكون على موعد مع لقاء عائلته التي لا يعرفها في غزة حيث سيتعرف على والده وأخوته وأخواته الثمانية.. ويحرم من أمه التي تنتظر حكمها منذ عامين ومن المتوقع أن تحكم بست سنوات.

قيد يوسف وان كُسرَ قريبا.. فإن قيد أمه وعشرات الأسيرات، ما زال يرسم في كل يوم بقسوة مئات بل آلاف القصص عن ظلم المحتل الصهيوني صارخا في وجه العالم. قائلا:نحن بشر ومن حقنا الحرية.

 

 

 

 

البث المباشر