ظهر جليا خلال الأسابيع الماضية، عجز السلطة الفلسطينية بأركانها عن حل أزمة إضراب المعلمين المطالبين بحقوقهم المشروعة، بعد استخدامها أساليب ضغط متعددة وفي اتجاهات متناقضة، مما عكس حالة من التخبط في أدائها على أكثر من صعيد.
وتنوعت وسائل السلطة في الضغط على المعلمين بدءًا من تسييس الحراك، عبر الحديث عن وقوف حركة حماس خلفه، ومن ثم اتجاهها للأساليب الأمنية بعد أن شنت حملة اعتقالات واسعة للمعلمين، إلى أن وصل بها الحال لتهديدهم عبر المليشيات العسكرية واستهداف ممتلكاتهم.
ورغم ما سبق، واصلت نسبة واسعة من المعلمين إضرابهم المفتوح عن العمل، إضافةً إلى وقوف شرائح متنوعة من المجتمع الفلسطيني إلى جوارهم، مما شكل دفعة قوية لإكمالهم حراكهم النقابي الذي أكدت الحكومة في بادئ الأمر مشروعيته، إلا أن فشلها في السيطرة على الموقف دفعها للانقلاب على مطالب المعلمين.
ومما ظهر خلال أزمة المعلمين الحالية، أن السلطة الفلسطينية استخدمت أذرعها كافة، السياسية والإعلامية والاجتماعية وحتى العسكرية، للدفاع عن وجهة نظرها المتمثلة بمعايشتها لأزمة مالية لا تمكّنها من تلبية مطالب المعلمين، ساعية بذلك لإفشال حراكهم النقابي.
ولم يقتصر الحال على تصريحات وزارة التعليم -صاحبة الاختصاص- التي كانت الأقل حضورا في ساحة السجال الدائر بين السلطة والمعلمين، حيث فتحت السلطة الباب لعناصر ملثمة تحت مسمى كتائب الأقصى لتهديد المعلمين والتحذير من استخدام القوة بحقهم، وهو ما تم ترجمته على أرض الواقع، إذ تعرض عدد من المعلمين للاعتداء بإطلاق النار على بيوتهم ومنازلهم، والتعرض لعائلاتهم، حيث سجلت الشرطة البلاغات ضد مجهولين.
وفي وقت سابق، لجأت السلطة إلى تأليب المواطنين ضد المعلمين من خلال دعوة الطلاب للعودة إلى المدارس عبر نداءات أطلقها قادة السلطة والحكومة وحركة فتح، إلى أن وصل بهم الحال إلى استخدام المساجد في الدعوة إلى ذلك.
وتتركز مطالب حراك المعلمين المستمر منذ 4 أسابيع على تطبيق علاوة غلاء المعيشة البالغة 2.5%، واعتبار كل من يعمل بسلك التربية والتعليم معلم، واستكمال صرف ما تبقى من علاوة طبيعة عمل 10% المتفق عليها وبأثر رجعي من 2013.
وعن ذلك يقول المتحدث باسم اتحاد المعلمين الديموقراطيين أحمد ياسين: إن حراك المعلمين سيستمر حتى تحقيق هدفه"، مضيفاً أنه يكتسب دعما جماهيريا ومؤسساتيا بشكل أكبر مع مرور الأيام؛ في ظل تعنت الحكومة في التعامل مع حقوقنا المشروعة.
ودعا الأطراف الساعية لحل الأزمة للضغط على الحكومة بذات حجم الضغط الذي يوجه على المعلمين من أجل فك الإضراب عن العمل، "إذا كانت نواياهم تشير حقا إلى مصلحة الطلاب والمسيرة التعليمية"، موضحا أن الهيئات التدريسية تعي جيدا مصلحة الطلاب وكيفية تعويضهم عن الأسابيع الماضية التي فقدوا خلال حصصهم التدريسية، "إلا أن ذلك يرتبط بسرعة حل أزمتهم من قبل الحكومة"، وفق قوله.
ومن الواضح أن المعلمين على ثقة بأن صمودهم في وجه سياسات الحكومة التي أهدرت حقوقهم طيلة السنوات الماضية، سيؤتي أكله في المرحلة المقبلة، في ظل الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة، وعن ذلك يقول عصام دبابسة رئيس اتحاد معلمي مدينة نابلس: إن عدة وساطات تدخلت بين المعلمين والحكومة في سبيل الوصول إلى حل يمكن للحكومة تطبيقه، وكذلك يلبي الحد الأدنى لمطالب المعلمين المشروعة بشكل كامل".
وأشار إلى أن عدة لقاءات عقدت مع شخصيات اعتبارية وحزبية لبلورة اتفاق خلال الأيام المقبلة، إلا أن ذلك يرتكز على مدى جدية الحكومة في تنفيذ تعهداتها للمعلمين، والتي تقر بأحقيتها وضرورة تطبيقها، بما يرفع كفاءة العمل ودعم المسيرة التعليمية.
على أي حال، فقد أظهر حراك المعلمين ضعف المؤسسة الرئاسية والحكومية في الضفة، وسيادة فوضى القرار وعدم المقدرة على تجاوز أزمة عادية قاربت الشهر، بينما تنشغل السلطة بملفات أخرى على حساب قضايا وطنية في مقدمتها المسيرة التعليمية والمعلمين كأحد أطرافها.