تحتفظ ذاكرة الفلسطينيّين بكثير من المواقف الأميركيّة الداعمة لإسرائيل منذ عقود طويلة، باستثناء بعض الفترات الرئاسيّة القصيرة، ورغم أنّ حملات الانتخابات الأميركيّة الجارية حاليّاً شأن داخليّ، لكنّ تأثيراتها تتجاوز الحدود الجغرافيّة للولايات المتّحدة، كونها الدولة العظمى في العالم، وتلقي بتأثيراتها على مختلف أنحاء الكرة الأرضيّة، ومنها القضيّة الفلسطينيّة، ممّا يجعل الفلسطينيّين يراقبون مجريات التنافس الحاصل بين المرشّحين، مع عدم وجود آمال كبيرة لديهم بأن يتمكّن أيّ مرشّح أميركيّ من فرض حلّ سياسيّ على إسرائيل.
يتزايد التنافس في الحملات الانتخابية الأمريكية بين المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين، وتكاد تنحصر بين المرشحة الديمقراطية المحتملة "هيلاري كلينتون" والمرشح الجمهوري المحتمل "دونالد ترامب"، تمهيدا لإجراء الانتخابات في تشرين ثاني/نوفمبر القادم.
لم تغب القضيّة الفلسطينيّة والعلاقة مع إسرائيل عن تصريحات المرشّحين الأميركيّين، فقد أكّدت كلينتون أنّ الفلسطينيّين يستحقّون دولة لهم، وهي تؤيّد حلّ الدولتين، كما أنّها ستدعم إسرائيل، فيما صرّح ترامب أنّه قد يتعذّر التوصّل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، مع أنّه سيبدأ العمل من أجل التوصّل إليه إذا انتخب رئيساً للولايات المتّحدة.
الفلسطينيّون غير معنيّين بالحملات الانتخابية الأميركيّة، فلديهم تاريخ طويل من الإدارات الديمقراطية والجمهوريّة، ومعظم الرؤساء الأمريكيين فشلوا في تحقيق تطلّعات الشعب الفلسطينيّ المتمثّلة بإقامة الدولة والتحرّر من الاحتلال، وما يهمّنا هو النهج السياسيّ الّذي سيتّبعه الرئيس الأميركيّ القادم سواء أكان ترامب أم كلينتون، فالكثير ممّا نسمعه هذه الأيّام موجّه لكسب تعاطف الرأي العام الأميركيّ وجلب الأصوات والتمويل، ومعظم مصادره من جهات يهوديّة.
صحيح أنّ الفلسطينيّين قد يتحفّظون عن إبداء رغبتهم في فوز أيّ من المرشّحين لانتخابات الرئاسة الأميركيّة، خشية أن تأتي النتائج بعكس ما يعلنون، لكنّهم في بعض الأحيان يبدون ميلاً لتأييد كلينتون لتكون الرئيسة القادمة وخوفاً شديداً من فوز ترامب، إذ إنّ للأولى إرثاً إيجابيّاً نسبيّاً معهم سواء أكان بسبب زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، أم كونها وزيرة خارجيّة سابقة، أمّا ترامب فيرى الفلسطينيّون أنّه نسخة أشدّ قسوة من جورج بوش الإبن، الّذي شهدت حقبته الرئاسيّة محاصرة إسرائيل للرئيس الراحل ياسر عرفات في رام الله.
الجدير بالذكر أنّ القضيّة الفلسطينيّة لم تعد أولويّة للمرشّحين الأميركيّين، وهم لا ينطلقون من فرضيّة حلّ الصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ وتسويته بشكل عادل، فالسياسة الأميركيّة باتت تخلط المقاومة الفلسطينيّة المشروعة بالإرهاب، وأنا لست متفائلاً بأيّ رئيس أميركيّ قادم يتعامل مع القضيّة الفلسطينيّة كأولويّة، إذ هناك قضايا أكثر إلحاحاً لديه في سوريا والعراق وإيران، وصحيح أنّ المفاضلة صعبة بين كلينتون وترامب، لكنّ الأخير يمتلك خطاباً متطرّفاً ويتعامل على أساس عنصريّ، فيما لا تخفي كلينتون ميولها الإيجابيّة تجاه إسرائيل.
لا يخفي الفلسطينيّون أنّ الرئيس الأميركيّ الحاليّ باراك أوباما أبدى تفهّماً لقضيّتهم أكثر من سواه من الرؤساء الأميركيّين، حيث دعا خلال ولايتيه الرئاسيتين بين عامي 2008-2016 إلى إجراء المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وندد أكثر من مرة بالاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية، مما اعتبرتها إسرائيل مواقف معارضة لها، لكنّه أدرك أخيراً أنّه لا يستطيع تحقيق سياساته وقناعاته في الصراع العربيّ - الإسرائيليّ، بسبب النفوذ الكبير الّذي تحظى به إسرائيل في دوائر صنع القرار الأميركيّ.
يمكن القول إن ترامب لديه خطاب عدائيّ اتجاه الفلسطينيّين، وهذا لا يعني أنّ كلينتون جيّدة لهم، لكنّها أقل عداء، والفلسطينيّون يرون فيها مرشّحة مخضرمة سياسيّاً، لديها توازنات في خطابها السياسيّ، نظراً لدورها السابق كوزيرة للخارجيّة، ويتوقّعون منها حراكاً في حلّ صراعهم مع الإسرائيليّين.
لعلّ المشكلة الّتي تواجه الفلسطينيّين في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، أنّه بغض النظر عن الرئيس الأميركيّ القادم، جمهوريّاً كان أم ديمقراطياً، فإنّه سيتعامل مع الحكومة الأكثر يمينيّة في إسرائيل، الّتي يبدو أنّها تمكّنت من فرض رؤيتها للصراع مع الفلسطينيّين على الرؤساء السابقين أوباما وبوش الإبن، المتمثلة بعدم الاعتراف الإسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967، وعدم وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، ولا يتوقّع الفلسطينيّون أن يتمكّن رئيس أميركيّ قادم من إلزامها برؤيته لحلّ الصراع مع الفلسطينيّين، في ضوء احتفاظ إسرائيل بأدوات ضغط فاعلة في واشنطن، لاسيّما منظّمة الإيباك وحلفائها في الكونغرس.
لا يعلّق الفلسطينيّون آمالاً على المرشّحين الأميركيّين لحلّ صراعهم مع إسرائيل، لأنّهم يعلمون أنّ غالبيّتهم، وتحديداً كلينتون وترامب، ليسا محايدين في التّعامل معها، وطالما أنّ السلوك الإسرائيليّ يعمل على إبعاد تطبيق حلّ الدولتين مع الفلسطينيّين، فربّما لن يستطيع الرئيس الأميركيّ القادم فرضه عليها، مع أنّ الميول الّتي لا يخفيها الفلسطينيون تفضّل كلينتون.