التفرد بالقرار واستغلال المال السياسي، هو العنوان الأبرز للسنوات العشر التي ترأس خلالها محمود عباس السلطة الفلسطينية، فقد احكم قبضته على المال الفلسطيني وانتهج سياسة قطع الرواتب والحقوق والمخصصات دون أي مسوغات قانونية، وفقا لما تفتضيه مصالحه الضيقة.
كما أصدر عشرات القرارات المخالفة للقانون الأساس؛ بهدف تمكين اركان حكمه وتعزيز سلطة الفرد الواحد المتحكم في كل مقاليد الامور بالسلطة ومنظمة التحرير، وكان آخر تلك الاجراءات قرار تشكيل المحكمة الدستورية بعيداً عن التوافق وقطع مخصصات الجبهة الشعبية.
تفرد عباس بالقرار وتأثير الإجراءات الاخيرة التي اتخذها على الحالة الفلسطينية كان عنوان الندوة التي عقدتها مؤسسة "الرسالة" ضمن برنامجها الدوري "في قاعة التحرير"، بحضور كلا من يحي موسى النائب عن حركة حماس في المجلس التشريعي، وهاني ثوابتة عضو اللجنة المركزية للشعبية.
على مقاسات عباس
"قرار تشكيل المحكمة الدستورية خطير جداً وجاء بالتزامن مع جهود المصالحة" وفق النائب موسى، الذي أكد أنه وفق اتفاق القاهرة فان التوافق هو الشرط الاساس لأي اجراء فلسطيني سواء تشكيل حكومة او اجراء انتخابات، وهذا ينسحب على المحكمة الدستورية، معتبراً أن تشكيلها بالشكل الذي جرى مخالف لكل الاتفاقات.
وأوضح ان تشكيل محكمة لتكون فوق كل السلطات وحاكمة في ظل النظام السياسي ولديها صلاحيات للتقرير في اي نتائج انتخابات، لا يجوز دون توافق.
وأكد موسى ان المدة القانونية لولاية عباس انتهت منذ العام 2009 وهو مُسير حتى الآن وباقي في منصبه بالتوافق، لذا لا يجوز له اتخاذ اي قرارات خارج التوافق، معتبراً ان تشكيل الدستورية انقلاب على كل المنظومة، ومحاولة لتفصيل الامور على مقاسات ابو مازن ليعزل من يشاء ويتحكم بالقانون ويعطي الشرعية لمراسيمه.
وبين ان الهدف الاساس من تشكيل الدستورية أنه في حال غياب ابو مازن يتولى رئيس المحكمة الرئاسة لان التشريعي معطل، وهنا تساءل موسى: "من الذي يعطل المجلس؟".
وقال موسى "حتى نواب فتح يطالبون ابو مازن بدعوة التشريعي للانعقاد لكنه يرفض، وهو يعتمد سياسة تغييب المؤسسة ثم يتخذ قرارات لأنها مغيبة".
وشدد على ان القضية مفصلة على مقاسات الانقلابات التي جرت في المنطقة، حتى تبقى فتح محتكرة للقرار السياسي والمؤسسات، مضيفاً: "كيف يمكن الاطمئنان لأي انتخابات قادمة طالما ان المحكمة الدستورية لديها صلاحيات بإلغاء نتائج أي انتخابات قادمة، خاصة ان رئيس المحكمة لا يعترف بالقانون الاساس.
وفيما يتعلق بقرار قطع المخصصات عن الجبهة الشعبية، قال النائب عن حركة حماس إن قطع المخصصات محاولة لإخضاع قوى وطنية كبيرة لها تاريخ في النضال الفلسطيني.
وأضاف موسى: "عباس قطع مخصصات اعضاء التشريعي المقررة بالقانون، وقطع رواتب الالاف من الموظفين؛ لأنهم يؤدون عملهم دون ان يجد من يردعه في الحالة الفلسطينية، وهو ما دفعه للتمادي".
حماس: عباس انتهك القانون والدستورية فُصّلت لفرض قراراته
وبين ان تفرده وقراراته ادت لتعزيز الانقسام وتشرذم الحالة الفلسطينية، وهذا انسحب على حركة فتح التي قسّمها، معتبراً أن عباس أداة بيد الاحتلال، ويحاول تسويق نفسه على انه الشريك الافضل، وأنه هو من يمنع اي عمليات ويفتش حقائب الاطفال.
وقال موسى " مهمة عباس أمنية بالدرجة الاولى، وطالما انه يؤديها سيبقى على راس السلطة، وإذا ما توقف عن التنسيق الامني سينهي الاحتلال وجوده على الفور".
وتابع "اخضاع الشعب وتفكيك الحركة الوطنية وتعميق الانقسام هي اجراءات يتخذها عباس لإطالة عمره الافتراضي".
الاتهامات التي وجهها موسى للرئيس عباس كانت تستوجب توضيحا من حركة فتح التي استضافت الرسالة المتحدث باسمها فايز أبو عيطة، الا انه انسحب من بداية اللقاء؛ احتجاجاً على حديث موسى.
تخوين النضال
متغيرات عديدة تعصف بالساحة الفلسطينية أهمها انتفاضة القدس، التي يتمحور حولها كل الإجراءات والسياسات وتحديدا سياسية عباس، بحسب ثوابتة عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية.
واعتبر ثوابته أن هذه السياسية مرتبطة بالوضع العام في الاقليم الذي فيه عدة ساحات ساخنة، "وهناك محاولة لتخفيف حدة التوتر فيها ومن ضمنها الساحة الفلسطينية"، لافتاً إلى أن هناك محاولة لتخطئة مسار المقاومة في المنطقة ككل، ومن ضمنها المقاومة الفلسطينية.
وبين ان هناك محاولات محمومة لاحتواء الانتفاضة منذ الاسابيع الاولى لاشتعالها، "وكان هناك حراك عربي واضح لاحتواء الانتفاضة واستغلالها بشكل سريع لتحسين الوضع التفاوضي لعباس".
ثوابتة: قطع المخصصات لي ذراع لمواقفنا من الانتفاضة والتنسيق الأمني
وقال ثوابته "اعتقد أن مجموعة التصريحات التي صدرت مؤخراً حتى التي بعدها أمنى والتي جاءت على لسان قادة الاجهزة الامنية إلى جانب تصريحات ابو مازن، مسيئة للنضال الفلسطيني وللقيادة الفلسطينية التي تعتبر انها تمثل الشعب امام المجتمع الدولي".
وتابع "عباس يدنس النضال الفلسطيني ويخونه ويصفه بالإرهاب ويتباهى بذلك في شكل اقل ما يوصف بأنه وقاحة خاصة عندما تحدث عن الاطفال ومصادرة السكاكين من حقائبهم المدرسية".
وأضاف أن الاستعداد العالي لدى عباس عندما قال سلمونا مناطق "أ" وراقبوا ماذا سنفعل"، مستوى غير مسبوق من التنسيق والشراكة الامنية مع الاحتلال.
وشدد عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية أن هناك اصرار على السير في مشروع التسوية رغم كل الفشل الذي مُني به هذا التوجه، قائلاً " أعتقد أن النقيض المباشر لوحدة شعبنا هو طريق التسوية".
ولفت إلى أن الارادة الطاغية هي ارادة المحتل الذي يرغب في ابقاء الحالة الفلسطينية منقسمة والاداة التي تنفذ له رغباته هو من ينسق امنياً ويتساوق معه، موضحاً ان عدو الشعب الفلسطيني هو الذي يريد لهذا الشعب ان يبقى منقسما لأنه لو جلست كل أطياف وفصائل الشعب الفلسطيني على طاولة واحدة ستتفق على الحد الادنى من القواسم المشتركة والتي ستكون بالتأكيد ضد الاستمرار في طريق التسوية وهذا ما لا يرديه ابو مازن.
وحول قطع مخصصات الجبهة الشعبية من الصندوق القومي لمنظمة التحرير قال ثوابته " هذه المخصصات مفصولة عن مالية السلطة والجزء الأكبر من مخصص الجبهة يذهب للأسرى في السجون".
وأوضح ان المبلغ لا يتجاوز 70 ألف دولار "وهو مبلغ بسيط لا يعيق حركة تنظيم لكن لا يحق عباس ايقافه، سواء بالنظام الاساس للمنظمة ولا حتى بالأصول والتقاليد والاعراف، مؤكداً أن القرار يجب ان يتخذ في المجلس الوطني ويتم تصديقه من هيئات المنظمة.
وقال ثوابته " عباس يستفرد بالمنظمة لأن الفساد ينخرها بالكامل وهي على مدار أكثر من 25 عام لم يتغير فيها شيء، ولذلك تطالب الجبهة باستمرار بانتخابات للمنظمة حتى لا تبقى ملك لأحد ويصبح فيها قوة ضغط لإصلاح اوضاعها وتصبح قادة ان تمثل الشعب الفلسطيني".
واعتبر ان قرار قطع المخصصات في إطار لي ذراع الجبهة؛ جراء مواقفها من الانتفاضة ورفضها التنسيق الامني وحتى مواقفها من القضايا الحياتية والحصار والكهرباء في غزة، مشيراً إلى ان الجبهة لديها موقف واضح أن من يتحمل مسؤولية ازمة الكهرباء ومن يخنق المواطنين في غزة هي وزارة المالية في رام الله.
وشدد ثوابته على ان وقف المخصصات جاء بعد المواقف التي اصدرتها الجبهة خاصة في ظل الملفات الساخنة وأبرزها الانتفاضة وملف اغتيال عمر النايف.
جبهة ضاغطة
النائب عن حماس موسى أكد ضرورة تكوين جبهة ضاغطة من الفصائل من خلال الدعوة لعقد الإطار القيادي المؤقت "وهو ما سيدفع عباس بانه وحدة المعزول وذلك على قاعدة اصلاح المنظمة وليس خلق بدائل لها".
كما دعا الى تطبيق ذلك بتشكيل قيادة موحدة للانتفاضة، مضيفا "لا يوجد ما يمنع فتح من الانضمام لهذه القيادة، الا إذا اعلنت انها ضد الانتفاضة، وهنا ستكون قد عزلت نفسها عن الشعب الفلسطيني".
وقال "نحن في مرحلة تحرر وطني وبحاجة لحوار استراتيجي وشراكة حقيقية حول كل القضايا، وطرح نماذج عملية ورفض اتفاق اوسلو واعطاء وقائع على الارض وذلك لا يعني تعميق حالة الانقسام".
ممثل حركة فتح فايز ابو عيطة انسحب من اللقاء
واعتبر انه لا يمكن الخروج من الحالة الموجودة دون دفع ثمن وكلفة على جميع الاصعدة، مطالبا بضرورة خلق حالة مناهضة لأوسلو في الضفة وغزة وبالتنسيق بين جميع الفصائل.
وأوضح ان منظمة التحرير ان لم يأت اليها ابو مازن ليُعاد بناؤها، فالأصل ان تنتزع انتزاعاً، من خلال عقد مؤتمر وطني يخرج بإرادة تفرض نفسها على الجميع.
واعتبر انه في حال غياب عباس عن المشهد وحسب المعطيات الموجودة فان الرئيس المقبل لن يكون خيار الشعب، وانما سيفرض بالقوة حتى يكون شخصا تتناسب مقاساته مع المتطلبات الاسرائيلية وتحديدا الامنية.
وشدد على ان الصراع مستمر وأن أي تسوية فيه سيتكون مجرد تهدئة وما تلبث ان يعود الصراع اقوى؛ لان كل التسويات التي طرحت لا تعالج الاشكاليات الحقيقية.
من جانبه أكد ثوابته ضرورة العمل مع الجمهور الفلسطيني وتعزيز ثقافة رفض التنسيق الامني وتعزيز الوحدة والانتفاضة.
ودعا الى عقد اجتماع القيادي المؤقت في اي مكان في العالم بحضور كل الفصائل "ومن يريد الالتحاق مرحب به وذلك يعتبر مخرج للمأزق الحالي".
وشدد على ان الجبهة في الضفة تعاني من التضييق الامني، مبينا في الوقت نفسه أن اي قيادي يصرح في الضفة يعتقل، وأن ثلثي اعضاء اللجنة المركزية من الجبهة، أسرى لدى الاحتلال.
صــــور الــلـقاء