في الحادية عشرة من عُمره؛ وقت أن شاهد عبر شاشةِ التلفاز طفلًا مُحتميًا بوالده من رصاص الاحتلال "الإسرائيلي"، قرر أن يُسمِع من خلاله صوت صراخِ الطفل محمد الدرة إلى كلِ من يتمكن الوصول إليه، وباشر بدراسة القضية الفلسطينية.
وبعدما اشتدّ عوده وأصبح في السابعة عشرة من عمره، تسلّق سعود العيدي الجبال، ومارس هذه الرياضة "لأنّها تترك لك المساحة للتفكر في خلق الله".
يقول: "قررت ربط هوايتي المتمثلة بتسلّق الجبال والترحال حول العالم، بالقضية الفلسطينية، فكلّما وصلت إلى قومٍ أخبرتهم عن فلسطين، ونضال أهلها". ويضيف للرسالة: "وُلدت بمدينة الخبر في المملكة العربية السعودية، وكان مشهد محمد الدرة على شاشة التلفاز أكثر ما شدّني لإثبات عدالة هذه القضية، ولكن لم يكن لي عمل حقيقي بسبب صغر سني في تلك الفترة، وكُل ما استطعت فعله هو أن أدرس تاريخ فلسطين، لأنازع من أجل قول الحق".
مع مرور الوقت، ألِف العيدي صعود الجبال، "لأنّها تشعرك بالتحدّي للنفس، والخروج عن المألوف والروتين، وفيها تتعرف على ذاتك من جديد"، وفق قوله.
واستمرّ في تعلّم جميع خبايا تسلّق الجبال، وما زاده من الاهتمام بها أنّه قرأ عنها بأنّها: "تنعكس على الإنسان في ثلاثة جوانب، جسديًا، وعقليًا بمشاهدة بديع خلق الله، والتفكر والتأمّل، ونفسيًا بحيث يجعلك تحذو نحو التغير المطلوب والوصول إلى القمم الحياتية".
ويشير إلى أنّ "تسلق الجبال علاج فعال لكل من أراد تحقيق أهداف لم يستطع أن يحققها طوال حياته".
ومع العدوان الأوّل على قطاع غزة عام (2008-2009)، سخّر العيدي طاقته لنصرة فلسطين، وكانت أولى فعالياته حينما قرر ارتداء الكوفية الفلسطينية، وشعارًا مكتوب عليه (Free Gaza)، ووضع قائمة بعدّة دول حول العالم، ليسافر إليها، كما أنّه حدد أعالي الجبال حول العالم لتسلقها ويضع علم فلسطين على قممها.
ومع وصوله إلى بلدٍ يجتمع مع الرحالة فيها، ويخبرهم عن سبب ما يرتديه، ثم يوضّح لهم "ماهية القضية الفلسطينية".
"الكثير من الناس حول العالم يوقفوني ويسألونني عن أخبار غزة وفلسطين، وأجيبهم على جميع أسئلتهم، ويستغربون من تعمّقي بالقضية"، يقول العيدي، ويشير إلى أنّه يُتابع جميع منصّات الإعلام لمعرفة الأخبار المتعلقة "سواءً من قريب أو بعيد؛ بالقضية الفلسطينية".
ومع إنهاء العيدي لمرحلته الجامعية تخصص "محاسبة"، قرر أن يستمر في نشر "الدعوة لإحياء القضية الفلسطينية"، ولكنّه اصطدم بمن يسخرون من عمله تحت عبارة "أنت خليجي.. ما علاقتك بالقضية الفلسطينية، ولماذا تسخر وقتك لها!".
يجيب وعلاماتُ الحيرةِ تبدو عليه: "أحاول جاهدًا تجاوز هذه العقبة عن طريق توضيح الحقيقة للجميع، أنّ الشباب الخليجي، منهم من يحمل همّ القضية أكثر من أي شعبٍ آخر، ولا يعترفون أنّ القضية الفلسطينية حِكرًا على الفلسطينيين فحسب؛ بل يؤمنون أنّها للأمّة جمعاء".
ويتابع: "هناك أشخاص تعرفت عليهم أثناء ترحالي، لا يعلم عنهم إلا الله، ويسعون لنصرة القضية الفلسطينية بُغية الصلاة في كنف المسجد الأقصى المبارك". ويردف: "هدفي أن أساهم في تحرير تلك الأرض المباركة عن طريق رياضتي وما أملك من عمل متواضع في نشر الوعي، وأطمح أن يصل صوت الأقصى الجريح إلى كل أرجاء المعمورة، ويعرف العالم أجمع جرائم الاحتلال وما يمارسه من اضطهاد اتجاه الفلسطينيين".
ويرى العيدي أنّه تمكّن من الوصول إلى بداية الطريق، فوضع لنفسه جدولًا في كلّ بلدٍ يكون على عدّة مراحل، وهي: "يصل إلى البلد التي حددها مسبقًا، ويلتقي بالرحالة المقيمين فيها من جميع الجنسيات، ويخبرهم عن عدالة القضية الفلسطينية، وكثير منهم يقتنع بالفكرة، ويصبح حاملًا لها ينشرها على بقاع المعمورة".
يستطرد عن باقي مراحله: "بعدما أزرع القضية في عقول الرحالة، أثق بأنّهم سينشرونها لمئات الآلاف من العوام، ويتم تحديد مرحلة التسلّق على أعلى جبلٍ في الدولة التي وقع الاختيار عليها، ومع وصولي لقمته أغرس علم فلسطين عليه، وأتنفس النجاح أنّني حققت شيئًا لأجل القضية".
ينهي العيدي حديثه مع "الرسالة" قائلًا: "فلسطين هي أمّ القضايا بلا منازع، وإن حُلت، فجميع قضايا العالم الإسلامي ستُحل تباعًا، والتاريخ يشهد متى كانت الشام والقدس والأقصى تحديدًا بخير؛ فالأمّة تعيش بسلام".