قائد الطوفان قائد الطوفان

قراءة في رواية مصائر

صناعة "الفلسطيني التيس" من أجل الحصول على البوكر

رواية مصائر
رواية مصائر

الرسالة نت- رشا فرحات

لا أدري من أين أبدأ هذه الرواية، مصائر، هي بالفعل مصائر، خرجت منها دون أن أدري ما هو الهدف الحقيقي للكاتب، أو ما هو الشعور الحقيقي الذي يشعر به تجاه ما كتب، او تجاه وطينته، ولكنه أشعرني بصدق انه هو الكاتب ربعي المدهون هو ذاته وليد دهمان بطل الرواية، حتى في مقدمتها وهو يخبرنا أنه سافر أثناء كتابته للرواية اربع مرات ، ذلك الفلسطيني المغترب الذي تنازل عن كل شيء ليعيش في أوروبا ثم يعود سائحا بريطانياً!

تحكي الرواية عن واقع عرب 48 ، أو عرب إسرائيل، الذين بقوا في بلادهم بعد الهجرة والواقع الذي يعيشونه، وظروف الحياة الصعبة التي يتعرضون لها على يد العنصريه الإسرائيلية، والجديد في الرواية التي حصلت على جائزة البوكر لعام 2016 أنها توليفة بأسلوب قالب الكونشرتو الموسيقى المكون من اربع حركات كل حكاية منها تعرض بين بطلين اثنين حتى تبدا الحركات في التكامل والتدريج والاندماج في الحركة الرابعة التي تجمع أبطال الرواية ، ويبدو أن هذا العرض الجديد أضاف للرواية حداثة الفكرة، لكني لم أجد أن هناك داعي له، وبالنسبة لي لم أفهم الغرض ولا الهدف ولا الجمال في ذلك لقلة خبرتي في الموسيقى! وهذا يؤخذ على الكاتب لأن المفترض أن تكون الرواية أقرب الى القاريء العادي وليس فيها ما يوحي بفلسفة زائدة لا داعي لها.

الوصية

إذا ما عدنا للرواية، تبدأ الرواية بوصية ايفانا لابنتها جولين، ايفانا التي كانت تنتمي لأسرة من مسيحي عكا، أحبت الضابط البريطاني وتزوجته ثم هربت معه إلى لندن، وبعد وفاتها أوصت ابنتها أن تعود حيث مسقط رأس والدها لتضع بعضا من رماد رفاتها في بيتها العكاوي القديم حيث ولدت وتربت وهو ذات البيت الذي هاجر منه والدها على لبنان بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

تذهب جولي برفقة زوجها وليد دهمان وهو ذاته بطل الرواية الأولى للكاتب السيدة من تل أبيب، والتي يصنفها على أنها الجزء الثاني لها، ولكني رأيتها رواية منفصلة عنها تماما.

تذهب جولي لتضع رفات والدتها  في عكا فيرحب أصحاب البيت الفلسطيني بذلك وهي الكذبة التي كذبتها جولي ولم تقل أن أصحاب البيت المحتلين من اليهود قد ألقوا برفات أمها في الهواء فنثر الرماد وعادت بدون أن تقدر على تطبيق وصيتها كما أراد فاخفت الامر عن الجميع !

وقد راقني هذا التصوير الذي أبدعه الكاتب والتفريق الواضح والذي شعرت به في كل سطر في الرواية بين الرواية الإسرائيلية الكاذبة والرواية العربية، ولكنه أراد أن يصل بي إلى طريق غريبة، فهو لم يبالغ في وصف تمسك اليهودي بأرضه كما نتمسك بها نحن، فهذا اليهودي يمكنه بكل بساطة ان يببيع ارضه لعربي، كما هو العربي تماما، كما هو واضح في نهاية الرواية حينما عرض أحد فناني يافا على وليد دهمان أن يساعده في الإقامة في يافا وشراء بيت له هناك، وهذا ليس صحيحا بالمطلق، وليس بهذه السهولة يمكن أن يشتري الفلسطيني بيتا من إسرائيلي!!

الامر الواقع

راق لي ان أصف هذه الرواية برواية الامر الواقع كل اجزاءها واقعية إلى حد كبير، جزء من الكاتب في غزة المنقسمة والتي تعيش أمه فيها، وجزء منه في الرواية التي تسكن الرواية والتي تبدأ جنين
أحد شخصيات الرواية بكتابتها وهي تصور

 فانا وصفتها مرة برواية الأمر الواقع، ومرة برواية المبررات، فالكاتب يعطي لإسرائيل أحيانا مبررا في الوجود بدءا من رواية النازية المشروخة وحتى  فئة يهودية احتلت المجدل وتقيم عليه الآن وتعمل كمرشدة سياحية للفلسطيني أذا ما أحبوا ان يزوروا ديارهم كسياح كما هو بطل الرواية.

 كما انه يحشر الإنسانية اليهودية كثيرا بين السطور واحيانا بعض شعائر الديانة اليهودية ، بدون مبرر كما في ظهور شخصية الشاعرة اليهودية ليا بورتمان صديقة الام العكاوية، وشخصية  المرشدة السياحية التي تعيش في المجدل حياة تصورناها بأنها لم تختلف عن حياتنا قبل النكبة ولا تخلو من ظلم بعض الطبقات اليهودية التي ربما شعرت بالندم لأنها تسكن هنا، وقد ضحكت لجملة : لم نكن قد عرفنا اسمها، ولا سبب ابتسامتها التي تشبه ذنبا تعلق بضمير صاحبه!!! (58) فهل يريد المدهون أن يقول لنا أن هناك من يشعر بالخجل في المجتمع الإسرائيلي لأنه احتل أرضا ليست له، وشرد شعب كامل من بيوته ؟؟!! وأتى المدهون لينقل لنا هذه المشاعر الطيبة!

و الغريب ان المدهون صور العربي الفلسطيني كشخص لا فرق عنده، اذا اغترب او اتى لبلاده زائرا، او هاجر إلى بلاد بعيدة، فهو قد وصل إلى مرحلة من العناء ربما والوجع، تجعله غير مكترث لأي شيء، وعلى قدر من الجبن ، فهو يهمهم إذا ما خاطبه أحد اليهود في الطائرة، ويهمهم في القطار اذا ما رأي إسرائيلي من أصل عربي في القطار يحمل سلاحا، وكأن الفلسطيني جبان يخاف ولا يجرؤ على الحديث والاستفسار، بعكس زوجته البريطانية التي تعترض وتتدخل وتسأل.

وظهر هذا الجبن ونفاذ الصبر في موقف باسم في رواية جنين الذي بدأ يتكلم عن استحالة بقاءه في بلاد لا تعترف بحقوه كإنسان وبدا يحن إلى المنافي ( 105)

وفي غزة نحن منقسمون ولا يريد الكاتب زيارتنا، ولم يتذكر من تاريخ غزة إلا أخبار الزواج والاجهاض والطلاق والموت، وغزة التي لا تطاق ! ولا أدري ما الغرض من اظهار جانب الرذيلة الموجودة بالطبع في كل مجتمع ولكنها لا تخدم نصا فلسطينيا بالمطلق، من المفترض ان يكون هدفه مختلف تماما ولا يغرد خارج السرب. د اليوم وضاقت كثيرا على أهلها.

 وما قبل يؤخذ عليه أيضا حينما قال عن أهل عكا: "أغلب أزلام عكا رحلو عن المدينة سنة الثمانية وأربعين، واتغرّبو وما نفعهم كل البوس اللي باسوه، ولا حتى حفلات الجنس الهستيرية التي سبقت الرحيل" (ص 17) متى كان هذا، ومتى كان الشعب الفلسطيني شعبا قذرا إلى هذه الدرجةن وهو المعروف عنه الانضباط إلى حد كبير جدا مقارنة بالظواهر الشاذة التي تظهر ف يالمجتمعات الأخرى؟؟؟؟!!!!!

فلسطيني تيس

لماذ؟! لماذا اختار الكاتب هذا العنوان المؤلم الجارح، للرواية التي تكتبها أحد شخصيات روايته وهي قريبته جنين دهمان ، ولم يذكر أن الفلسطيني الذي وصفه بالتيس كان ضحية مؤامرة طويلة بدأت منذ بداية القرن وليست فقط نكبة 48 ، وحاول أن يصور هذا الجاهل بطل الرواية المفترضة بانه بقي في بلاده، لم يهاجر وكان جار ليهودية وزوجها جنبا إلى جنب يعيش حياة بسيطة هانئة إلى حد كبير،  فلماذا هو تيس اذا؟؟!!!

وقد شعرت تماما من كل هذه الاحداث التي يريدها الكاتب والتي يصور لنا فيها اليهودي الذي يمكن التعايش معه واظهاره بمظهر الانسان ومحاولة التنقيص من قدر العربي واظهاره بمظهر الجاهل الذي لا يستحق والذي هجر بلاده جبنا كما ورد في صفحة (248) وبأنه قضى عمره يولول على شهداء المذابح !

او ذلك الذي لا يحلم بالعودة أصلا كما في صفحة  (111) :" جنين لم تعمل حسابا لعودته الى هناك، لم تفهم ما فهمه، لم تشعر به من ان العودة إلى البلاد التي يحلم بها سبعة ملايين فلسطيني لا تعنيه كما تعني آخرين"

هذه الجملة التي تطرح تساؤلا ، مهما، يجعل من حق العودة شعارا مبالغا فيه، فهل يا ترى يحلم كل فلسطيني في المهجر بالعودة ؟؟!!!

شراء بيتي

هذه الرواية والمحشوة بالكثير من المعلومات التاريخية المعروفة وغير المعروفة، والمحشوة بالكثير من الشخصيات لا يمكن ان يختلف اثنين على هدفها الأول وهو الهدف التطبيعي، في كل سطر في كل صفحة، رسالة للعرب، للفلسطينيين، أم أنها رسالة للبوكر ؟!!!

بالرغم من بعض المواقف التي تجشأ فيها الكاتب بعض الذكريات المؤلمة ولكنه في كل سطر كان يشدد على الا مبالاة العربية، والتي تقابلها الإنسانية الإسرائيلية وإن لم يفلح في كثير من السطور! بل وطرح فكرة شراء العرب للبيوت الإسرائيلية التي صودرت منهم قبل ذلك، كيف وهل الامر بهذه السهولة، وهل كل فلسطيني يحمل الجنسية البريطانية مثل ربعي المدهون، أقصد وليد دهمان؟!!!

هذه النقطة بالذات كانت خيالية ومضحكة الى حد كبير، فهل يمكنني أنا أن أعرض على نتنياهو شراء بيته في القدس، وهل يمكن أن يوافق؟!!

ويظهر التطبيع جليا بأبشع صوره حينما يزور البطل متحف ضحايا المحرقة النازية “يد فشم” والكاتب تساءل أيضا في نفسه مصرحا، ما الجدوى من هذه الزيارة؟! ولكنه كان في كل سطر يبدي اعجابه ببناء المكان، ووجعه وتعاطفه مع ضحايا المحرقة التي كانت مبرر إسرائيل الوحيد لنازيتها!

هل كان الكاتب يريد ان يقول لنا : ان قبورنا لم تعد موجودة وبأن تلك الفلسطينية الوحيدة المتبقية من مجازر دير ياسين تعمل في ذات الجزء الفلسطيني في المتحف الذي بنته إسرائيل -شاكرين لإنسانيتها- في اعقاب المصالحة التاريخية التي لم تحترمها مطلقا( 241- 246) هذه الفقرة بالذات صورها المدهون على انها واقعه، فلو أحد الذين لا يعرفون المجتمع والحكومات الإسرائيلي لقرأ الرواية ثم صدق أن هناك متحف لجثث فلسطينية، ترفرف عليها الأعلام الفلسطينية وبنته إسرائيل احتراما للاتفاقيات الموقعة !!!

وتظهر قمة الرغبة في التطبيع على لسان امرأة يهودية قابلها وليد دهمان وهو ينتظر دوره في زيارة متحف الذاكرة اليهودية والتي ختمت كلامها بعد سردها لهذا الإنجاز اليهودي الرحيم قائلة: أليس هذا رائعاً؟ (242) ثم تعطيه تذكرة لدخول المتحف على حسابها، - يال الروعة!!!"- ثم تبدأ بسرد حقوق العرب المقيمين داخل إسرائيل، ومدى الامتيازات التي تقدمها لهم الدولة، وتختم كلامها قائلة: أخيرا أصبح هذا الوطن للجميع.

وهذا الموشح التسامحي صاحب القلب الإسرائيلي الكبير، ينال من اعجاب وليد دهمان ما ينال

ولكن يبدو ان الكاتب نسي انه تم التوقيع عليه في اتفاقية اوسلوا، وبان هذا الشعب قد انجر ووافق، ولكن اليهودي الغادر هو الذي لم يؤمن يوما بذلك، وكنت أبحث في كل سطر من سطور الكاتب عن السجان الإسرائيلي، او المستوطن الذي يحرق الأطفال ويصب في افواههم البنزين أو ذلك الذي يقنص طلاب المدارس ، أو بيوت القدس التي تصادر وتسقط فوق رؤوس أصحابها بسبب السياسة الإسرائيلية القمعية التي تمارسها على أهالي القدس، كنت أتمنى ان أرى حاجز من الحواجز في الرواية، ولكني لم أرى سوى رسالة تسامح لعدو لا يعرف التسامح، وحلم بالتطبيع ، وبرغم كل هذا لم انكر بأني استمتعت كثيرا بالقراءة .

هذه المصالحة التي يبحث عنها الكاتب والتي يتمنى ان تكون هي مستقبلا مشرقا لوطن يعيش فيه الجميع تبدو غير مقنعة بتاتا للقارئ الفلسطيني بل مضحكة في كثير من السطور، ولكنها مقنعة جدا على ما يبدوا للقائمين على البوكر.

البث المباشر