بين القطيعة والتدهور تترنح علاقات الأردن بالسلطة الفلسطينية بعدما وصل الخلاف بين الجانبين الى درجة لا تخطئها العين، ويمكن القول إن الخلافات لم تكن وليدة اللحظة بل جاءت نتاج عدة اشكاليات بين الطرفين توجت باتهام الأردن أوساطا في السلطة بلعب دور في "تأجيج" المعارضة لفكرة نصب كاميرات مراقبة في أرجاء المسجد الأقصى بناء على اتفاق مع "إسرائيل".
الاتفاق أجج الخلاف بعدما رأت فيه السلطة عين مراقبة للاحتلال على الفلسطينيين، وليس توثيقاً لجرائم الاحتلال في المسجد الأقصى.
وكشف "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" المرتبط بحكومة اليمين المتطرف في اسرائيل أن مبادرة السلطة في منظمة اليونسكو بنفي أي صلة لليهود بالمسجد الأقصى أثارت غضب الأردنيين، بسبب أن السلطة خرقت الاتفاق الموقع معهم بمنح الأردن الحق الحصري في تمثيل القدس في المنظمات الدولية.
وقد سادت حالة من التوتر الشديد بين الطرفين نهاية العام الماضي بعد التصريحات التي أطلقها كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، بأن القيادة الفلسطينية ستتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لعرض مشروع "إنهاء الاحتلال" للتصويت عليه دون مشاورة أحد، في إشارة منه إلى الأردن العضو العربي في المجلس الدولي.
ويعتبر الأردن أنه طرف أساس في القضية الفلسطينية خاصة في كل ما يتعلق بالضفة الغربية والقدس، وقضية تسوية الصراع لذا فان أي اجراءات يتخذها الجانب الفلسطيني دون الرجوع اليه ينظر اليها على أنها خطوات استفزازية وتجاوز لدوره في هذه القضية.
ورغم ان الأردن والسلطة تلتزمان الصمت وتتحفظان عن الحديث حول خلافاتهما، الا ان عمق الخلافات يتضح من اللقاءات بين ملك الاردن عبد الله الثاني ورئيس السلطة محمود عباس والتي باتت نادرة، بعدما كانت شبه دائمة ودورية.
ورغم تحفظ الطرفين إلا أن أكثر من قيادي في السلطة ألمح لهذا الخلاف ولم ينكر وجود توتر واضح في العلاقات من بينهم نائب رئيس الوزراء زياد أبو عمرو الذ أقر بوجود وجهات نظر قد تختلف بين وزير الخارجية ناصر جوده وكبير المفاوضين صائب عريقات، وقد تكون عنصر التشويش الأبرز على ملف العلاقات الأردنية الفلسطينية.
الاختلافات في الرؤى والتجاوزات التي جرت بين الطرفين الفلسطيني والاردني وان كانت عميقة إلا أنها لن تدفعهما للقطيعة، كون الطرفين بحاجة الى التنسيق فيما بينهما بشكل مستمر، وهما يحملان ذات التوجه حول قضية التسوية والحل للقضية الفلسطينية، والأهم أن الجغرافيا التي فرضت الجوار بين الاردن والضفة الغربية معقل السلطة الفلسطينية تفرض عليهما المحافظة على الحد الأدنى من العلاقة.
ولا يمكن التغافل عن كون الاردن والسلطة شريكتين في المنظومة الامنية في منطقة الشرق الاوسط التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، كما ان مجمل الترتيبات الأمنية التي تجري يتم التنسيق فيها بين الاحتلال وكل من الأردن والسلطة لذا فانه مهما بلغ حجم الخلاف سيحرص الطرفان وتحديدا السلطة على ابقائه تحت السيطرة.
وتعتبر قضية التسوية من أبرز نقاط الأزمة التي أدت لفتور العلاقات كون الأردن تسعى باستمرار لعودة الطرفين لطاولة المفاوضات على أمل انجاز أي شيء يقود لاتفاق سياسي، لكن اجراءات السلطة الأخيرة التي اتخذها على الصعيد الدولي حملت شيئا من الاستفزاز للأردن التي ترى أن الحل للقضية يكون عبر التفاوض المباشر مع الاحتلال الإسرائيلي.
وترى السلطة أن الأردن لاعب رئيسي ومؤثر في القضية الفلسطينية، وجزء مهم في أي حل لهذه القضية؛ خاصة أن الأردن يستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين على أراضه، حيث أن 60% من سكان الأردن فلسطينيين، كما انها أدارت الضفة المحتلة ما بين عام 1948 وحتى عام 1967.
وتأتي هذه الخلافات في وقت يتزايد فيه الحديث عن كونفدرالية بين الأردن والضفة الغربية وهو الحل المطروح إسرائيليا ضمن رؤية الاحتلال لحل الصراع مع الفلسطينيين واعطائهم دولة على الجزء المتبقي من اراضي الضفة الغربية وضمها للأردن.
وترى الكونفدرالية أن يكون للدولة الواحدة، عاصمتان القدس للفلسطينيين وعمان للأردنيين، وسلطة قضائية مركزية، وقوات مسلحة واحدة قائدها الملك الأردني، ومجلس وزراء مركزي، ومجلس أمة بالانتخاب بين الشعبين، وإتاحة مجال لحركة المواطنين بين المنطقتين بحرية تامة.
وقد تكون الكونفدراليّة مع الأردن الحل المناسب للفلسطينيّين في ظل التعنت الإسرائيلي ورغبة الاحتلال بالتفاوض الثنائي مع السلطة دون أي تدخل دولي، لذا فإن المقترح يحظى بالقبول من اسرائيل والسلطة لكن الأردن لديها تخوفات كبيرة منه لذا فهي تبقى مترددة من الاقدام على خطوة تاريخية كهذه خاصة انها بحاجة لتنسيق وقبول عربي أيضا.
وليست المرة الأولى التي يجري فيها خلافات أردنية فلسطينية فقد مرت العلاقة بين الطرفين بالكثير من محطات الخلاف التي وصلت إلى درجة الصراع المسلح في سبعينات القرن الماضي.
ومع ذلك لم تقدم الأردن على إغلاق الجسور التي تربطها بالضفة أو اتّخاذ خطوات شبيهة بالخطوات التي اتخذتها مصر اتجاه سكان قطاع غزة كإغلاق معبر رفح، لكن بعض التسريبات تحدثت عن تهديدات أردنية للسلطة بأن تتعامل مع سكان الضفة بذات الطريقة المصرية في التعامل مع القطاع.