تمر هذه الأيام الذكرى الثانية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي امتد 51 يوماً صيف 2014، فيما عرف فلسطينياً بمعركة العصف المأكول التي قدّمت خلالها المقاومة أداءً عسكرياً يدعو للفخر، وعكست حنكة ميدانية أذلت جيش الاحتلال، الأمر الذي يثير تساؤلات حول قدرات المقاومة بعد مرور عامين على تلك المحطة من المواجهة، وماذا يتوقع الاحتلال الإسرائيلي من المقاومة بأيّ مواجهة مقبلة؟!.
ومن المهم الإشارة إلى أن الاحتلال تحدّث كثيراً عن قدرات المقاومة، وكيف استطاعت ترميم ما دمرته الحرب وتعويض ما تم استنزافه من مخازنها، وحاول في مرات عديدة إمّا التقليل من قوة المقاومة أو تضخيم ما تمتلكه لأهداف خبيثة.
ويعتقد مراقبون حدّثتهم "الرسالة" أن المقاومة تتقن إدارة المعارك، وتعمل جيدا بدون توقف، وتطوّر من قدراتها؛ لعلمها أن المواجهة مع الاحتلال "أمر حتمي"، طال الزمان أم قصر، لاسيما أن العدو لا يؤمن غدره.
الخبير العسكري اللواء يوسف الشرقاوي قال، إن (إسرائيل) تقدّر بأنها مهددة باقتحام مواقع عسكرية بالوحدات الخاصة التي دربتها المقاومة، بالإضافة إلى الأنفاق، والتي استخدمت في تنفيذ عمليات ناجحة خلال العدوان الأخير وأربكت حسابات الاحتلال.
وأضاف أن بنية جنود الاحتلال الفكرية والجسدية ليست كرجال المقاومة، لذلك يقاتلون عبر تحصينات، والهاجس الأمني اليومي الذي يؤرق أصحاب القرار العسكري والسياسي في (إسرائيل) يثبت انتصار ونجاح المقاومة". ورأى الخبير الشرقاوي أن المقاومة قادرة على الإبداع واختراق موانع وتحصينات الاحتلال بأساليبها الخاصة، مضيفا "المقاومة تحمل مفاجآت تربك (إسرائيل)، وقد تكسر ميزان القوة".
قدرات المقاومة تضاعفت
من جهة أخرى، اعتقد الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، أن قدرات المقاومة العسكرية تضاعفت بعد عدوان 2014، مشيرا إلى أن هذا التطور تؤكّده مجموعة من المظاهر، فتجارب الصواريخ في تصاعد، وعمليات حفر الأنفاق اتسعت، كما طَوَرت المقاومة تكتيكات جديدة، إضافة للكثير من العبر التي اتخذت بعد العدوان.
وقال المدهون إننا قد نشاهد أضعاف ما رأيناه في معركة "العصف المأكول"، من عزيمة وقتال واثخان في الاحتلال، في حال فكر قادة الاحتلال بالمغامرة، وتابع "معركة العصف المأكول مرحلة مهمة من تاريخ شعبنا، وستمهد لما بعدها"، معرباً عن اعتقاده بأنها "مقدمة واضحة للبدء بنقل الصراع من حالة الدفاع لحالة الهجوم، وهذا ما يقلق الاحتلال الآن"، وفق تقديره.
ولعل أكثر ما يميّز المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، أنها تُعِد العدّة ولا تتوقف عن إعداد وتدريب مقاتليها، وتتسلح، ويقول المدهون إن المقاومة تبني بنيتها العسكرية بعيدا عن ضجيج الأعين والاحتكاك بالموطنين.
صراع أدمغة
وأثبتت الحروب التي خاضتها غزة في السنوات الماضية أن المقاومة والاحتلال (الإسرائيلي) يتسابقان في تبني خطوات لإفشال الآخر وإفساد نقاط قوته، وبالعودة للواء الشرقاوي رأى أن الانفاق -كمثال- أفشلت هيمنة سلاح الجو الإسرائيلي، فيما يحاول الأخير افشالها عبر بناء جدار خرساني على حدود غزة، ضمن حرب أدمغة تتجسد على الأرض من خلال الاعداد العسكري.
واستطاعت المقاومة أن تثبت أنها لم تتأثر كثيرا جراء الحصار المطبق المفروض على غزة، بتطوير قدرتها واعتمادها على عقول مقاتليها وخبرائها، ويعتقد المحلل المدهون أن هذا ما أرادت كتائب القسام إيصاله للقاصي والداني بأنها لن تُكسر أمام الحصار، وإعدادها متواصل.
وبحسب الباحث في الشأن (الإسرائيلي) ناجي البطة، فإن ما ينفّذه الاحتلال من احتياطات وتحصين، يأتي في سياق الرد الدفاعي حتى لا يتعرض جيشه لإخفاقات كما رأيناها في الحرب الأخيرة. وأشار البطة إلى قوة المقاومة بغزة ومفاجآتها التي لم تظهر بعد، ومضى يقول: "من يدري ربما ينطلق مقاتلو المقاومة في المستقبل من نقاط أخرى غير التي ظهرت في العدوان الأخير، لم يكن يتوقعها الاحتلال".