مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي في الثامن من أكتوبر المقبل، تبرز إشكالات قانونية وميدانية تنذر إما بتأجيل الانتخابات أو تعطيلها، وهي في مجملها كانت محل اعتراض من الفصائل والقوى الوطنية التي نددت بمحاولات إفشال الانتخابات البلدية؛ التي تنظر إليها على أنها الطريق نحو ترتيب البيت الفلسطيني، وإنهاء الجمود السياسي الحاصل.
هذه الإشكالات هي أشبه بعقبات لا تنذر باستمرار المسير إذا لم يتم التراجع عنها ووقفها، ومنها اعتقالات أجهزة أمن السلطة في الضفة لعناصر حركة حماس وكوادرها هناك، والتي بدأت تأخذ منحى خطير في الآونة الأخيرة، لا تخدم حالة الحرية وتوفير الأجواء المناسبة للانتخابات، وفي المقابل، كيّل الاتهامات باعتقالات تنفذها حركة حماس في قطاع غزة لأنصار فتح.
وبالتزامن يفاجئ الرئيس محمود عباس الجميع بمرسوم رئاسي يتضمن مخالفات لقانون الانتخاب، بتأكيد حقوقيين، وتحديدا ما يتعلق بطريقة اختيار رئيس الهيئة المحلية، التي تقوم على الانتخاب وليس التعيين، الذي اشترطه عباس لرئاسة بعض الهيئات المحلية في الضفة، بأن يكون مسيحيا!
الأخطر من هذه المخالفة، ما رشح إعلاميا بأن حركة فتح تبحث في "الغرف المغلقة" خطوات من أجل الالتفاف على نتائج الانتخابات، على ضوء عدم تقديرها لمشاركة الفصائل وقبولها بإجراء هذه الانتخابات، ومن هذه الخطوات الطعن في الإشراف القضائي والقانوني على الطعون المتعلقة بالنتائج. وهي خطوة، إن أقدمت عليها، فإنها ستكون بمنزلة تجاوز للتوافق الفصائلي في ميثاق الشرف الوطني.
وليس مبالغة القول إن مصير الانتخابات المحلية يحسمه الوضع التنظيمي لحركة فتح نفسها، وقدرتها على الاتفاق على قوائم مشتركة تستطيع المنافسة، على ضوء الخلافات العميقة، والانشقاق بين تيارين؛ لأن عدم الاتفاق يعني بالأساس تأجيل الانتخابات، أو على الأقل في بعض الهيئات المحلية.
في المجمل، فإن تعطيل إجراء الانتخابات أو تأجيلها لاعتبارات حزبية وبتجاوز التوافق الفصائلي، سيقودنا إلى نتائج سلبية على الصعيدين السياسي والاجتماعي، أخطرها إذكاء الخصومة السياسية القائمة، والتبشير بسنوات إضافية في عمر الانقسام، بآثاره السلبية على الجميع، وبالتالي مزيد من التعقيد في الحالة الفلسطينية الداخلية، وبما يرافقه من تدخلات خارجية وضغوط.
إضافة إلى عدم إمكانية تكرار فرصة قبول إجراء الانتخابات في قطاع غزة مجددا، مثلما حدث في عام 2012؛ تحت مبرر التجاوز الجديد للتوافق الوطني وميثاق الشرف، وعدم احترام الفصائل الموقعة عليه، في الوقت الذي تبرز فيه أهمية هذا الاستحقاق لدى بعض الفصائل، من ناحية المسؤولية الاجتماعية، وباعتباره ترمومتر لقياس شعبيتها وحجمها في المجتمع.
عدا عن نزع الثقة لدى الناس بجدوى المشاركة السياسية، وإمكانية اتفاق السياسيين على ما يحقق مصالحهم، من مبدأ أن الانتخابات هي فترة تدخل اجتماعي كبير، يمكن إلى تقود إلى محاولة إنهاء أي خلافات سياسية من خلال الاحتكام إلى الصندوق، وترتيب المواقع والأولويات.
وليس من مصلحة أي طرف نسف هذه الثقة، التي تشير الأرقام الحديثة الصادرة من لجنة الانتخابات المركزية، بأن عدد المسجلين في "التحديث الانتخابي" وصل لـ 69 ألف في الضفة بنسبة 80%، و53 ألف في غزة بنسبة 90% من الناخبين، وهي نسبة كبيرة بتأكيد جميل الخالدي، المدير الإقليمي للجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة.
إن الخطورة الحقيقية هي أن تنتهي الانتخابات إلى التعطيل على ضوء كل هذه المخاوف، التي ليست بعيدة عن تقدير أي فصيل فلسطيني. ولن يكون الجميع بمنأى عنها؛ لأن الجميع يجدف في القارب نفسه.