قائد الطوفان قائد الطوفان

مؤامرة لها ما بعدها

انشغال عربي بصُلحة عباس ودحلان على حساب المصالحة الشاملة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

فايز أيوب الشيخ

لم يعد الانشغال العربي بترتيب البيت الفتحاوي مقتصراً على دولة واحدة مثل مصر الضاغطة على قطبي الصراع الفتحاوي محمود عباس ومحمد دحلان للمصالحة، فقد دخلت على الخط دول أخرى أبرزها السعودية والأردن والإمارات، وذلك على حساب ملفات فلسطينية ملحة تتعلق بالصراع مع الاحتلال الصهيوني، وعلى حساب المصالحة الوطنية الشاملة. 

وفي التفاصيل الأخيرة، كشفت الصحافة العبرية متطابقة مع ما تناقلته مواقع فتح الإعلامية، عن جهود تقودها مصر والسعودية والأردن، من أجل تحريك المصالحة بين عباس ودحلان، مشيرة إلى أن الجهود تنصب لتهيئة دحلان وريثاً لعباس في منصب رئاسة السلطة، لخبرته في الأمن وتأثيره على حماس، وعلاقاته مع دول عربية وحتى مع "إسرائيل" وبإمكانه محاورتها!.

وكانت مصر الحالية بزعامة عبد الفتاح السيسي، انكفأت منذ سنوات عن رعايتها المفترضة للمصالحة الوطنية، وانشغلت بمصالحة الفصيل الواحد "حركة فتح"، علماً أن الخلاف بين عباس ودحلان قد بدأ شخصياً، ثم تطور إلى خلاف تنظيمي، مما سبب فصل دحلان من عضويته في اللجنة المركزية لحركة فتح، وأحدث انشقاقات وخلافات عصفت ولا تزال بالبيت الفتحاوي الداخلي.

ويرى المحللان السياسيان محمود العجرمي وناجي البطة، أن مصالحة عباس ودحلان على حساب المصالحة الوطنية "مؤامرة لها ما بعدها"، على اعتبار أن الأنظمة العربية لها أهدافها في تقوية حلفائها خدمةً للمشروع الصهيوني والأمريكي في تحجيم الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وضرب المقاومة الفلسطينية، وخاصة رأس حربتها حركة حماس.

وعبر العجرمي عن اعتقاده أنه قد تنجح جهود توحيد عباس مع دحلان، ولا سيما أن الاثنين لا يوجد خلافات جوهرية بينهما، مبيناً أنهما لا يختلفان على برنامج سياسي ولا على تكتيكات نضالية لتحرير الوطن، وإنما اختلافهما هو في من يقدم الأفضل للاحتلال الصهيوني!.

وتطرق العجرمي خلال حديثه لـ"الرسالة" إلى ما فعله دحلان حين كان قائداً لجهاز الأمن الوقائي وتعاطيه مع الاحتلال وقادته الذين ما فتئوا يمدحونه علناً في كل مناسبة لتعاونه الأمني معهم، مذكراً أيضاً بتحالف دحلان وعباس وتآمرهما على الرئيس الراحل ياسر عرفات وكشفهما لكثير من أسراره، فضلاً عن أن استشهاد الأخير يرفع علامات استفهام كبرى على الفاعل وهو ليس بعيداً عنهما.

ويرى العجرمي أن هناك مصلحة للأطراف العربية في التدخل لإنجاز مصالحة عباس ودحلان وهي "التآمر على المقاومة الفلسطينية"، مؤكداً أن تلك الأطراف ومعها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني يسعون لتوحيد حركة فتح في مواجهة المقاومة وعلى رأسها حركة حماس اعتقاداً منهم أن انقسام معسكر المتعاونين مع الاحتلال كان له أثره في قوة شوكة المقاومة وضعف جبهة دولة الاحتلال وحلفاءها.

أما المحلل البطة، فقد ذهب في تحليله للأهداف العربية من وراء مصالحة دحلان وعباس إلى ما هو أبعد من كونها مؤامرة على المقاومة في فلسطين، فقد اعتبرها مؤامرة لتحجيم الإسلام السياسي وتقويض حلف المقاومة في المنطقة العربية.

وأوضح البطة لـ"الرسالة" أنه بعد فشل الانقلاب العسكري في تركيا، بات من المؤكد أن هناك محاولة أمريكية صهيونية حثيثة لإعادة ترتيب المنطقة ضمن الأجندة التي لا تهدد على المدى القريب أمن الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن مصالحة عباس ودحلان تأتي في هذا السياق.

ويرى البطة أن كل الأنظمة العربية المتآمرة كشفت عن وجهها لبناء جبهة واحدة في مواجهة الإسلام السياسي وحلف المقاومة الذي يهدد المصالح الغربية بشكل عام والكيان الصهيوني بشكل خاص، لافتاً إلى استماتة تلك الأنظمة العربية ومن خلفها أمريكا و(إسرائيل) لإخراج حركة حماس من الباب الذي دخلت منه عبر الانتخابات. 

وذكر البطة أن المنطقة من حولنا تنزلق نحو المشروع الصهيوني الصليبي العالمي أي الأوروبي الأمريكي، وبالتالي ما تراه أمريكا يجب أن يلتزم به الجميع حتى يتوافق مع سياستها داخل المنطقة العربية عموماً المنطقة الفلسطينية خصوصاً.

وحول تحالف الأطراف العربية لمصالحة عباس ودحلان على حساب المصالحة الوطنية الشاملة، فقد ذكر العجرمي أن ما يسمى زوراً وبهتاناً "المصالحة الوطنية" هي مؤامرة بحد ذاتها كانوا يتحدثون فيها عن ضرورة اعتراف حركة حماس باتفاق أوسلو وكل الاتفاقيات التي أبرمتها منظمة التحرير والسلطة مع الاحتلال، وكذلك الاعتراف والإقرار بتنفيذ اشتراطات الرباعية التي باتت الآن في غرفة العناية الفائقة.

وأضاف العجرمي "إن تعبير المصالحة الوطنية لا يجوز استخدامه في الوقت الحاضر، لأن المصالحة دائماً تتم بين أطراف وطنية اختلفت، ولكن الذي يجري اليوم هو ظهور من هذه الأطراف العربية ودولة الاحتلال تحت المظلة الأمريكية لإضعاف وإنهاء المقاومة إن استطاعوا"، على حد تعبيره.

وكمن سبقه، فقد اعتبر البطة أن المصالحة الوطنية الفلسطينية "كذبة كبيرة جداً"، مؤكداً أن الانقسام الفلسطيني هو نتاج ضغوطات الأنظمة العربية التي تحاول ترتيب الأوراق صهيونياً، وبالتالي فإن الكيان الصهيوني من مصلحته ترتيب البيت الفتحاوي لكي يضمن تسديد ضربات في مرمى حركة حماس تمهيداً لنزع الشرعية عن المقاومة بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص.

يجدر الإشارة إلى أن مجلس وزراء رامي الحمد الله، ثمن الجهود المصرية والأردنية، التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والملك عبد الله الثاني لاستعادة الوحدة الداخلية لحركة فتح، ما يعكس وجود تقدم حقيقي في ملف المصالحة بين عباس ودحلان.

البث المباشر