قائمة الموقع

الحلايقة تروي رحلتها من صاحبة الجلالة إلى قبة البرلمان

2016-10-01T13:29:58+03:00
النائب في المجلس التشريعي سميرة الحلايقة
الرسلة نت - محمد أبو زايدة

زحام مع الذاكرة يؤرّقها كلّما جلست في لحظة استرخاء ومصارحة مع الذات، ومشاهد طفولة موجعة تتوالى كشريطٍ مليء بالأحزان، لكنّ سميرة توقّفت أمام موقفٍ وأصرّت على البوح به، تقول: "كنت بالخامسة من عمري، ودخل الجيش الإسرائيلي القرية بحثًا عن الفدائيين، واقتحموا منزلنا".

خوفٌ من الموقف انتاب الصغيرة سميرة الحلايقة في تلك الفترة، فاختبأت خلف أمها، متجنبة بذلك محاولة مجنّدة إسرائيلية الاحتكاك بها.

تصحبنا النائب في المجلس التشريعي سميرة الحلايقة في زيارة إلى حياتها الخاصّة؛ مبدوءة ببلدتها "الشيوخ" التي ولدت فيها، والواقعة شمالي شرق الخليل بالضفة المحتلة على بعد 6 كم، وأخبرتنا عن سكّان المنطقة الذين يبلغ تعدادهم ما يقرب (13 ألف نسمة)، تجمّعوا في هذا المكان الذي تطل حدوده على البحر الميّت، ومنها أسرتها المكوّنة من سبعة أشقاء وست أخوات وسميرة أصغرهم.

تقول الحلايقة: "نشأت في أجواء ريفية ضمن عائلة منتمية للأرض، وكانت هي مصدر الرزق الوحيد للأسرة، ولم أشعر بنكهة الطفولة التي يفترض علينا عيشها في تلك الحقبة، لأنّ محتلًا صاحب وجهٍ عبوسٍ وقاسٍ لم يفارق أعيننا أثناء تجوّل دورياته التي تجوب شوارع البلدة مرارًا".

الدوريات "الإسرائيلية" كانت تقيم جولاتٍ في البلدة، وتنادي بالميكروفون أنّ التجوال ممنوع، وكلّما ارتأت أن تشنّ حملة تفتيشات واعتقالاتٍ بحق أفراد المنطقة لا تبالي.

تتابع الحلايقة: "كانت أمي -رحمها الله- تقف باكية عندما كانوا يحتجزون أشقائي ضمن المئات من أهالي البلدة، كانوا يجمعونهم في المدارس والساحات العامة يعملون لهم استجوابًا ميدانيًّا للبحث عن الفدائيين والأسلحة والمقاومين".

منذ منتصف 2007 وثقت 16 اعتداءً على عائلتي من الأجهزة الأمنية بالضفة

وصورة مريرة لا تزال خالدة في ذاكرة سميرة؛ أثناء هروب أفراد العائلة من المنزل عند محاصرة الاحتلال للبلدة؛ بحثًا عن الفدائيين.

وبمرارةٍ تخبرنا عن ذكرياتِ طفولتها التي كساها العلقم، تعيدنا لعام (1970) وقت أن كانت في سنّ طفولة لم تتجاوز خمس سنوات، وحدثت معركة "أم قرمول" وهرب الجميع إلى الجبال بعد أن شنّت طائرات الاحتلال قصفًا على المنطقة التي يتحصّن فيها عدد من الفدائيين؛ بعشرات الصواريخ، وارتقى في حينها اثنان من أبناء البلدة.

وتصحبنا النائب الحلايقة بجولة إلى دهاليز الذاكرة، فتغيّر ساعة الزمن لتعيدنا لقبل (46 عامًا)، وتقول: "تعلّمت حروف العربية في مدرستي الابتدائية ببلدة الشيوخ؛ ولم تكن آنذاك المدارس متطورة، وتلقيت تعليمي الإعدادي في مدرسة سعير وهي قرية مجاورة لبلدتنا، ثم انتقلت إلى المرحلة الثانوية بمدينة حلحول".

كانت البلدة في تلك الفترة تواجه شحًا في المدرسين والمؤسسات التعليمية؛ مع ارتفاع طفيف في نسبة الأمية. ومرورًا بعام 1982 لم يتقدم لامتحان الثانوية العامة من قرية الشيوخ؛ سوى طالبتين فقط، وسميرة إحداهن.

وتروي لنا ضيفتنا مشهدًا لا يزال ممسكًا بتلابيب الذاكرة، تقول: "كان أصعب موقف تأثرت فيه كثيرًا؛ أثناء ارتقاء شهيد في مواجهات مع الاحتلال وكان عمري وقتها 16عاماً، حيث أطلق جنود الاحتلال النار عليه وشاهدته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على أرض مدرسة بنات حلحول الثانوية، وأذكر أني مكثت طريحة الفراش ثلاثة أيام متواصلة، ومنذ ذلك التاريخ فقط بدأت أدرك قيمة وجودي في الحياة".

صحفية لـ (13 عامًا)

واصلت سميرة حياتها ملتحقة بعمل مؤسسات المجتمع المدني، وحصلت على شهادة في التثقيف الصحي لتدريس مادة الصحة العامة، والتغذية، وتنمية الطفل، والإسعاف الأولي، وعملت في الجمعية الخيرية بين الأعوام 1983 ولغاية 1987 ثم التحقت للدراسة في كلية الرحمة للبنات والتي افتتحت بين الأعوام 1990 و1995 وبعد تخرجها عملت كمدرسة في مدرسة الحنان الخاصة لمدة عام وتركت التدريس إلى العمل الصحفي الذي شعرت أنّه حياة أخرى.

أدركت قيمة وجودي في الحياة بعدما قتل الاحتلال شابًا فلسطينيًا أمام عيناي

وأوّل منازلها الصحفية؛ كانت صحيفة "الرسالة" والتي عملت منذ انطلاقتها عام 1996؛ واستمرت في كنفها لمدة (11 عامًا)، كما عملت في تلك الفترة مراسلة لعدد من المجلات والصحف والمواقع على الإنترنت، وأبرزها مجلة فلسطين المسلمة، والمركز الفلسطيني للإعلام.

تعود بنا الحلايقة إلى تاريخ (1985)، وتقول: "في تلك الفترة كانت بدايات انطلاق العمل الإسلامي الكتلي الذي واجه العلمانية والتيارات الشيوعية والماركسية، وكان كل همنا تعريف البسطاء بالإسلام، وتفنيد الأفكار الهدامة، وكُنّا نستقي الفكرة من بطون الكتب، وكُنا نبتاع الكتب من مصروفنا اليومي وأجرة الطريق".

وفي حركة حماس تقول: "بالنسبة للحركة كانت تمثل لنا فكرة الدين والوطن، وقد التف حولها الكثير من المثقفين ومن يحملون الاسلام فكرة وعقيدة، فكانت بدايتها قوية لا سيّما أنّها حركة مقاومة وهذا أكسبها القوة والحضور وثقة الناس واحترامهم، بالإضافة إلى أنّها وليدة لحركة الإخوان المسلمين المنتشرة في كل أنحاء العالم".

وأمّا عام 2005 وبعد أسابيع قليلة على خوض "حماس" الانتخابات لمجالس البلديات حيث فازت الحركة في العشرات منها بالعضوية والرئاسة، وكانت أول البلدات التي فازت فيها حركة حماس قرية الشيوخ، حيث حصلت على 10 مقاعد من أصل 11 مقعدًا، وبعدها تعرضت عائلة الحلايقة إلى استهداف ممنهج من سلطات الاحتلال التي اعتقلت حينها 83 مواطنًا ممن ساهموا في هذا الفوز.

كان من بين المعتقلين زوج الحلايقة ونجلها؛ وقد غيبوا في سجون الاحتلال لمدة 12 شهرًا في عام 2006، وفي ذات العام وتحديدًا (25/1) دخلت سميرة في انتخابات المجلس التشريعي عبر نظام "الكوتة" وفازت في الانتخابات ضمن قائمة حصلت على 76 مقعدًا في المجلس التشريعي.

وفيما يتعلّق بسبب ترشحها بالانتخابات التشريعية تقول: "عملت في مجال الإعلام لمدة 13عاماً وطرقت أبواب معاناة الناس، واستطعت كتابة مئات التقارير والتحليلات السياسية والمقالات والأخبار والتقارير الإخبارية، وصحيفة الرسالة كانت حاضنتي وكانت بالنسبة لي المساحة التي اتسعت لأفكاري ولثقافتي وإبداعاتي الصحفية، مضاف إليها المتابعة الإعلامية اليومية التي صقلت شخصيتي وجعلتني على علاقة وثيقة بكل فئات المجتمع".

عملت في صحيفة الرسالة منذ انطلاقتها واستمريت في كنفها (11 عامًا)

ترى الحلايقة أنّ جهة كانت متغولة في السلطة الفلسطينية لم تقتنع بهذا الفوز بل لم تتقبله ورفضت التعامل معه، مما نتج عنه حالة من عدم قبول الآخر وترتب عليه الكثير من أعمال الفوضى والفلتان، وفق قولها.

وتضيف: "في منتصف عام 2007 زادت الاعتقالات وعمليات القتل في غزة والضفة، وأحرقت مكاتبنا واعتقل الاحتلال نواب الضفة، فيما مارست الأجهزة الأمنية الكثير من أنواع الاضطهاد ضد أبناء حماس في الضفة، وتم اغتيال عدد من أبناء حماس داخل السجون وخارجها".

وانعكس هذا الواقع على حياة الحلايقة تحديدًا؛ فاعتقل الاحتلال أبناءها ومارست السلطة نفس العمل ضدهم، وفي ثنايا المأساة تتجلى مآسٍ أخرى، فقد اعتقلت أجهزة السلطة زوجها محمد الحلايقة أربع مرات، والذي يعمل في مديرية الأوقاف في الخليل؛ فيما اعتقلت ابنها أنس (27 عامًا) مرتين وابنها أسامة (24 عامًا) مرة واحدة.

وتتابع قولها: "منذ منتصف عام 2007 وحتى الآن سجلت العائلة 16 اعتداء موثقا مارسته الأجهزة الأمنية ضد مكاتبنا والعاملين معنا من موظفين والاعتداء على أبنائي وزوجي وعائلتي".

واستهدفت الأجهزة الأمنية الفلسطينية عائلة الحلايقة؛ واعتقلت ما يزيد عن 300 مواطن من بلدة الشيوخ وخاصة عائلتها ووجهت لهم تهم الإخلال بالأمن، واعتقلت طلاب جامعات ورجال أعمال ومشايخ ووجهاء حتى اعتقلت أيضًا القاصرين، وطيلة هذه الفترة بقيت الحلايقة تلوك الصبر، وتحتسب ما يجري عند الله.

حياتها الأسرية

وانتقالًا إلى حياتها الزوجية، تخبرنا أنّها مستمرة منذ 31عاماً، وقائمة على التعايش والمحبة والتسامح، والتي بدأت منذ عام 1985، واستطاعت خلال السنوات العشر الأولى في حياتها الزوجية بناء شخصيتها كأم وزوجة وإنسانة ناجحة وإلى حد ما إلى تكوين علاقات أسرية طيبة مع المجتمع، وكأي سيدة فلسطينية تمكنت سميرة من التغلب على معظم العقبات التي واجهتها.

وتتابع: "تزوجت من الشيخ محمد زيتون حلايقة والذي يعمل الآن في مديرية أوقاف شمال الخليل كرئيس قسم وأنجبت منه ولدين هما أنس وأسامة، وخمس بنات هن اعتصام وايثار وابرار وأصيلة وابتهال، كلهم متزوجين باستثناء صغيرتي ابتهال 10سنوات".

والسماء كانت في تلك الليلة داكنة؛ لا يُرى منها سوى بريق النجوم التي ناظرتها عينا سميرة بعدما رفعت أكفّ الضراعة للسماء تدعو ربها أن يهديها صواب الرشاد؛ وبعدما انتزعت شهيقًا من أعماقها؛ توجّهت إلى سجّادة صلاتها؛ وأقسمت على الله ألا ترفع رأسها من السجود حتّى ينتزع من قلبها الغلّ على "ضرّتها" والتي أقبل شريك حياتها بالزواج من أخرى.

خبرٌ تركه محمّد لزوجته سميرة؛ بأنّه سيتزوّج بأخرى، ولأنّها شعرت أنّ حياتها ستصبح قاسية إن فعلها شريكها، أرادت أن تزيل همًا استوطن أعماقها، وتتعايش مع الواقع الذي شرّعه رب السماء، وأبدت تفهمًا لزوجها، وعكفت تردد مع ذاتها كلّما ساورتها الغيرة؛ "كلّه مقسوم باللوح المحفوظ".

مشاهد طفولتي منغّصة بذكريات الاحتلال ودورياته واعتقال وقتل أبناء البلدة

كانت سميرة في تلك الحقبة تعمل صحفية في مؤسسة الرسالة للإعلام؛ فخطّت لزوجها تهنئة تبارك له زواجه الثاني ومتمنية حياة زوجية سعيدة، ونشرت تهنئتها على غلاف الصحيفة، وأكملت فيما بعد حياتها متقبلة الأمر.

وتكريمًا من "الرسالة" لمن عملوا بها، نُظّمت استضافة للنائب سميرة في صفحاتها، لتنقّب عن حياتها الصحفية والتشريعية والشخصية، وتقترب خطوة منها لتبوح بما أخفاه الزمان، وما حاولت المناصب أن تداري عليه، فحديثنا اليوم كان مع الحلايقة من القلب إلى القلب.

وفي نهاية حديثها مع "الرسالة" قالت: "أشخاص كثر تركوا بصمة في حياتي الفكرية والعملية زوجي كان له الفضل بالوقوف الى جانبي وتشجيعي على المضي في خدمة الدين والوطن، والمعاناة صقلت شخصيتي وجعلتني أكثر عطاءً واستمرارا بالإيمان وبالصبر استطعت الوصول إلى معظم طموحاتي وأهدافي".

اخبار ذات صلة