المشهد بات أكثر تعقيداً من ذي قبل

التداعيات القانونية والسياسية لقرار المحكمة العليا إلغاء الانتخابات في غزة

جانب من اللقاء في داخل مؤسسة الرسالة للإعلام
جانب من اللقاء في داخل مؤسسة الرسالة للإعلام

غزة-محمود فودة

قررت محكمة العدل العليا في جلستها الأخيرة بخصوص الانتخابات المحلية، إلغاء إجراء الانتخابات في قطاع غزة، مع استمرار ترتيبات إجرائها في الضفة الغربية المحتلة، مفجرة بذلك موجة من الشجب والاستنكار في الساحة الفلسطينية، لاسيما من قبل الفصائل والقوى الوطنية والمؤسسات الحقوقية، إضافة للجنة الانتخابات المركزية.

وفي مواجهة موجات المعارضة لقرار المحكمة، قررت حكومة رامي الحمد الله تأجيل عقد الانتخابات 4 شهور، إلا أن لهذا القرار تداعيات قانونية وسياسية ناقشتها ""الرسالة" ضمن برنامجها الدوري "في قاعة التحرير".

التداعيات القانونية

ومن الناحية القانونية، قال الخبير القانوني عبد الكريم شبير: "إن القضاء الفلسطيني أصبح جزءا من الأزمة الراهنة التي يعيشها الوضع السياسي، بدلاً من أن يبقى نزيهاً مستقلاً، يحافظ على سيادة القانون وتنفيذه بما يخدم المصلحة العامة".

وأكد أن قضية الانتخابات أظهرت تسييس القضاء بشكل واضح، حيث تستخدمه الأطراف السياسية لتحقيق مصالحها، فيما لا يؤدي مهمته الأصيلة المتعلقة بحل الإشكاليات بين الأطراف والمنظمات المتخاصمة بقوله كلمة الفصل بينهم.

وبيّن شبير أن القرار الصادر عن محكمة العدل العليا غير صالح قضائيا أو قانونيا، ولا يتعدى كونه قرار سياسي يخدم طرفا سياسيا في قضية الانتخابات.

وفي التفاصيل القانونية، قال إن القضاء الإداري في الضفة يتكون من درجة واحدة لا يجوز استئناف القرارات الصادرة عنه من أي جهات أخرى، كما يجري الحال في غزة حيث يتكون القضاء الإداري من درجتين وفق قانون أصدره المجلس التشريعي مؤخراً.

شبير: قرار محكمة العدل العليا غير صالح قضائياً أو قانونياً

وأوضح أن قرار محكمة العدل العليا يحمل عيباً أنه استقبل المستدعين نيابة عن قوائم التحرر الوطني التابعة لحركة فتح وهم من غزة، أي خارج الإطار الجغرافي لعمل المحكمة بحكم وجود فرع لها في غزة، حيث إن القانون الفلسطيني يؤكد على رفع القضية في محل سكن المستدعي.

وأكد شبير أن في ذلك انتهاكا قانونيا واضحا بشأن الاختلاف المكاني، وانتهاك للاختصاص، حيث أن النظر في شرعية الجهاز القضائي من اختصاص المحكمة الدستورية.

قرار مسيس

وشدد على أن قرار محكمة العدل العليا مسيس بشكل واضح بالنظر إلى أنها تركت الطعون المقدمة من المستدعين ضد وزارة الحكم المحلي ولجنة الانتخابات، وردت الدعوة المتعلقة بهما، وتمسكت في قضية شرعية القضاء؛ رغم أنه خارج اختصاصها.

وأوضح أن المحكمة ابتعدت عن المشكلة الحقيقية ولم تسعَ لحلها، وذهبت في اتجاه تأكيد إلغاء الشرعية عن الجهاز القضائي في غزة، مما عطل إجراء الانتخابات وفي ذلك تأثير على المصلحة العامة.

وبيّن الخبير القانوني أن المحكمة تناست نظرية الموظف الفعلي حين حديثها عن القضاة الذين لم يعينوا حسب القانون الأساسي في غزة، فيما لا يمكن لأي طرف إلغاء وجودهم أو شرعية الأجهزة الأمنية القائمة في غزة. وشدد على أن القرار القضائي الصادر عن المحكمة بعقد الانتخابات بالضفة دون غزة أدى إلى إحداث انفصال جغرافي في الأرض الفلسطينية بين غزة والضفة، لتزداد الأزمة بعد أن كان انقساما سياسيا فقط.

وأوضح أن الأطراف القانونية كانت تأمل من المحكمة أن تكون منصفة وعادلة بتأجيل الانتخابات في الأراضي الفلسطينية كافة، في ذات القرار، إلى حين أن يجري التوافق بين الكل الفلسطيني، ولا يقدم مصلحة الجزء أو الحركة على الكل أو بقية الفصائل، إلا أن قرارها جاء عكس التوقعات، بما يؤكد أنه قرار سياسي.

وبين أنه لا يجوز قانونياً حرمان سكان قطاع غزة من حق الترشيح والانتخابات أو إقصاءهم من العملية الديموقراطية تحت أي سبب أو حجة يسوقها القضاء؛ لأنه حق دستوري وتشريعي، داعياً إلى إيجاد صيغة توافقية بين الفصائل والمؤسسات المدنية، تكون بمثابة خطة للمرحلة المقبلة بما فيها أزمة القضاء التي أثرت على مسيرة الانتخابات.

وعن شرعية الجهاز القضائي بغزة، قال شبير: "إن لدينا تجربة في عهدي حكم مصر و(إسرائيل) لقطاع غزة قبل توقيع اتفاقيات أوسلو، حين تم اعتماد القرارات الصادرة في أرشيف القضاء الفلسطيني، مما يؤكد إمكانية حل أزمة الشرعية التي تتحدث عنها المحكمة العليا.

وأكد أنه لا يمكن لأي طرف أن يلغي القرارات والأحكام التي صدرت خلال السنوات الماضية في محاكم غزة، فيما يمكن أن يستأنف عليه في حال معارضته لقانون أو مصلحة عامة، موضحاً أن القرار الصادر عن محكمة العدل العليا أرجعنا للمربع الأول، وأدخلنا في مرحلة صعبة من الانقسام الداخلي بدلاً من الذهاب للحل بين الأطراف الفلسطينية.

تنازع الشرعية

وفي التداعيات السياسية لقرار المحكمة العليا، قال محسن صالح، رئيس مركز الزيتونة للدراسات  عبر برنامج "سكايب" من بيروت: "إن قرار المحكمة أدى إلى تكريس الانقسام الفلسطيني بصورة مختلفة، من خلال تعريف منطقة جغرافية من الوطن أنها تحكم بطريقة غير شرعية، وبدون وضع قانوني".

وأوضح أنه في حال الدخول لمعترك تنازع الشرعيات، فإن ذلك يؤدي إلى أن يفتح كل طرف فلسطيني ملفاته ضد الآخر، بالنظر إلى إنتهاء المدة القانونية لرئيس السلطة محمود عباس وعدم أخذ حكومة الحمد الله لثقة المجلس التشريعي، ولم تسر وفق الإجراءات القانونية المتبعة في تشكيل الحكومات.

وأشار إلى أن ذلك يشكك في قانونية عشرات المراسيم التي صدرت عن عباس، والقوانين التي أصدرتها الحكومة والرئاسة خلال السنوات الماضية، مما يدخلنا في أزمة لا نهاية لها، ويضرب الوضع السياسي الفلسطيني. وأكد أن قرار الحكومة تأجيل الانتخابات وقرار المحكمة عقدها في الضفة فقط غير مرتبطة بالوضع القانوني لغزة، إذ من الممكن عقد الانتخابات بدون المجالس المحلية الخمسة التي تم إسقاط قوائم فتح فيها.

صالح: تقديرات تؤكد تقدم لحماس خلف قرار المحكمة بإلغاء الانتخابات

وأوضح صالح أن قناعة راسخة لدى قيادات فتحاوية بناءً على ما ذكرته استطلاعات الرأي الفلسطينية والإسرائيلية بأن الفوز سيكون حليف حماس في الانتخابات المحلية خصوصا في المدن الكبرى كنابلس والخليل، عدا عن تأثير الخلافات الحاصلة داخل البيت الفتحاوي.

وأكد أن الاستنتاج الذي يمكن الخروج به من تسلسل الأحداث المتعلقة بالانتخابات يشير إلى أن القرار لا ينم عن حالة قانونية، بل كان قرار المحكمة غطاءً لقرار سياسي تم الاعتماد فيه على تقديرات تؤكد تقدم حماس على حساب قوائم فتح.

قرار سياسي

وبناءً على ذلك، يقول الدكتور صالح أن فتح فضلت إلغاء الانتخابات أو تأجيلها في الوقت الحالي على ألا تتجدد الشرعية لحركة حماس في الضفة وغزة من خلال فوزها في الانتخابات.

وفي البعد الإقليمي، قال إن القرار يتعدى أروقة القيادة الفلسطينية ليصبح إقليمياً بتدخلات من الرباعية العربية، أو مصر والامارات على وجه الخصوص، مشيرا إلى أن عددا من البلدان العربية ضغطت على الرئيس عباس في ملف تأجيل الانتخابات إلى مرحلة لاحقة.

وفي أسباب ذلك، أوضح صالح أن الاتجاه لدى الدول العربية يشير إلى أن أي انتصار للتيارات الإسلامية أو قوائم حماس يمكن أن يعيد الشعبية والزخم لهذه التيارات في الساحة العربية، وهذا ما لا ترغب به الأنظمة العربية الحالية. وبيّن أن ما جرى في الساحة الفلسطينية بخصوص الانتخابات أكبر من مؤشرات داخلية تتعلق بانتخابات مجالس محلية خدمية بالدرجة الأولى، بل يتعدى إلى مسألة الشرعية، وبناء التقديرات على الانتخابات التشريعية والرئاسية.

القرار عقد المشهد السياسي

وأشار إلى أن القراءة السياسية للانتخابات كانت تعتمد على نتائج الانتخابات المحلية كسيناريو أولي لما ستكون عليه نتائج الانتخابات التشريعية وما يتبعها من خطوات لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، بناءً على إعادة الثقة بين الأطراف تحت مظلة الانتخابات.

وأكد أن المشهد السياسي الفلسطيني بات أكثر تعقيدا بعد الإجراءات التي تمت على الأرض من المحكمة والسلطة، وازدادت القضايا الخلافية سوءًا أكثر مما كانت عليه قبل الدخول لملف الانتخابات.

مستقبل المشهد السياسي

وبالنظر إلى مستقبل الوضع السياسي الفلسطيني، في ظل وجود الرئيس عباس المتحكم في القرارات كافة، قال صالح إن الاعتراضات على عباس واسعة حتى داخل أروقة فتح، فيما لا توجد دلائل قوية إلى التوجه لعزله عن واجهة العمل السياسي.

وأكد أن النقاشات التي دارت في حركة فتح والمنظمة والإقليم لم تصل في نهاية المطاف إلى بديل عن عباس في المرحلة الحالية، إذ يؤكد الجميع أنه الشخصية الأقوى في فتح، فيما يعتبر منافسه القيادي المفصول من فتح محمد دحلان أقل شعبية من عباس في الوسط العربي والفلسطيني، غير أنه يحظ بدعم بعض العواصم ذات الثقل السياسي في الإقليم.

واتفق كلا من الخبير القانوني شبير وصالح، رئيس مركز الزيتونة للدراسات على ضرورة إيجاد قاعدة وطنية تسعى إلى إنهاء الأزمات السياسية الفلسطينية بما يخدم القضية على المدى القريب والبعيد.

وأكدا على أن قرار المحكمة زاد من أزمة الوضع السياسي الفلسطيني أكثر مما كانت عليه قبل الإعلان الذي أصدرته حكومة الحمد الله عن تنظيم الانتخابات، مما قد ينعكس سلباً على ملف المصالحة والوحدة الوطنية.

البث المباشر