قائد الطوفان قائد الطوفان

حياة مصباح.. أولها رباط وأوسطها أسر وختامها شهادة

الشهيد اثناء اعتقاله
الشهيد اثناء اعتقاله

غزة-أمل حبيب

لم ينتظر الزيت حتى يصل من خارج الأقصى ليسرج به، بل رواه بدمه دون أن تتعثر خطواته، فقد أدرك المقدسي مصباح أبو صبيح أن أقصر الطرق نحو التحرير هو الرصاص.

اقترب من الأربعين سنًا ومن الحلم أملًا بأن يبصر الأقصى حرة، فتوجه للميدان ليسلم روحه لله بدلًا من تسليم جسده لقيد المحتل الذي كان ينوي اعتقاله لمدة أربعة أشهر لرباطه بالأقصى.

بطريقته الخاصة مزج دمه بزيت الأقصى ليشعل شرارة الانتفاضة القدس بذكراها الأولى من جديد، تاركًا لثوار الانتفاضة الإجابة على السؤال "كيف ينطفئ مصباح أسرج بالدم".

بارود ووصية!

51 ثانية فقط كانت وصية الشهيد منفذ عملية إطلاق النار في القدس أمس الأحد، ظهر خلالها بالصوت والصورة مطالبًا أهالي القدس وشبابها المداومة والرباط في المسجد الأقصى المبارك، ومؤكدًا بأنه أمانة في الأعناق.

"ابعدتمونا عن المسجد رابطنا على أبوابه، ابعدتمونا عن البلدة القديمة رابطنا في القدس، وابعدتمونا عن القدس بإذن الله سنعود إليها"، بلهجة لم يغب عنها العزم والتحدي للحظة وجه رسالة أخيرة للمحتل الذي قهره بسجنه وإبعاده لسنوات متفرقة.

أكثر حبًا للحرية والسلام هم الشهداء، إلا أن حالة الظلم وانتهاك الإنسانية خلال اعتداءات قوات الاحتلال لاسيما منذ اندلاع انتفاضة القدس، دفع بمصباح أن يضغط على الزناد ليشعر بالسلام من خلال البارود والتي أسفرت عن مقتل إسرائيليين وإصابة ثمانية آخرين.

الحديث عن مصباح المقدسي أعادنا الى على وقع ترانيم "جنة جنة تسلم يا وطننا" حين حملوه على الأكتاف نهاية ديسمبر من العام الماضي بعد عام من اعتقاله، وسط أجواء من الفرحة الافراج والأحضان لا تقل عن فرحة الأحرار بعمليته البطولية.

إبعاد وحنين

الزائر لصفحة مصباح "أبو العز" عبر الفيس بوك سيدرك حجم تعلقه بالمسجد الأقصى وتأثره لإبعاده عنه، حيث كتب "(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) بعد مسرحية هابطة حقيرة بإبعادي عن القدس المحتلة حتى تسليم نفسي بعد اعتقال للمرة الثالثة خلال أسبوع حسبي الله ونعم الوكيل".

مرابط ثم أسير ثم شهيد كانوا جميعًا مصباح، الذي تعددت أدواره لأجل القدس حتى رحل عنها فحظي بلقب جديد وهو "أسد الأقصى".

حوله ثلاثة من أبنائه الخمسة في صورة له انتشرت بشكل كبير على المواقع الالكترونية، أخذوا منه الملامح والابتسامة التي تميز بها، في حين أدهشت ابنته عبر مقطع فيديو كل من تابعها لسكينتها وحديثها عن مصباح الأب، الذي كان أول ما يجمعه بأسرته هي صلاة الفجر جماعة، ولاسيما أنه كان بمثابة "قصة كبيرة" بالنسبة لابنته وفق قولها.

"لن نرحل عن قدسنا" شعار لازم الشهيد في حياته وكان مطبوعًا على معظم ملابسه وحتى "الطاقية" من فوق رأسه حيث ظهر فيها خلال العديد من الصور والفعاليات في باحات الأقصى.

"كم اغبطهم واتمنى لو كنت مثلهم أو وصلت لمكانتهم من على يديهم سيكون النصر والتمكين ..هم الأتقياء الأنقياء اللهم اجعلني منهم"، استجاب القدر لدعاء مصباح حتى كان أبرزهم وأسرج بدمه الأقصى فأنارت الانتفاضة من جديد.

البث المباشر