قائد الطوفان قائد الطوفان

تكلفة المُحرك الواحد تبلغ 30 ألف شيكل

حين يكون مُحرك القارب أغلى من حياة الصياد !

صيادو غزة
صيادو غزة

​غزة-أحمد الكومي

بداية شهر نوفمبر من كل عام تكون عادة آخر موسم لسمك السردين في بحر غزة، وهو بالنسبة للصيادين موسم هجرة الرزق. وفيه يحرص الشاب الصيّاد رمزي نعيم على لزوم البحر، فيتعاقب عليه الليل والنهار والرصاص!

لا يتذكر رمزي ليلة قمرية مرّت دون أن يخترق صمتها أزيز رصاص زوارق الاحتلال التي تشتغل بمطاردة مراكب الصيادين، في معركة هي أشبه فيها بديناصور في مواجهة إنسان بدائي.

يجد رمزي نفسه في مثل هذه المواسم مرغمًا على التحرر من قيد الستة أميال بحرية المسموح فيها الصيد، فيقرر المخاطرة ومواجهة الرصاص، على طريقة أنا الغريق فما خوفي من البلل!

ولا يكاد يكمل عقرب الدقائق نصف دورة حتى يجد رمزي نفسه في مواجهة "غول البحر"، في إشارة إلى زورق بحرية الاحتلال، كتعبير عن ضخامته وسرعته الكبيرة.

فإما أن ينصاع للصراخ عبر مكبرات الصوت والعودة أو يكون ضحية فوضى الرصاص المتطاير، وحين يختار الثانية فإنه يقرر أول عناوين الفضيلة، التضحية بالنفس!

حين يعظُم الخطر!

على قالب إسمنتي على شكل رجْل طائر غراب في ميناء غزة، اتكأ رمزي يحدث "الرسالة"، في وقت استدار فيه قرص الشمس ناحية الغرب، عن اللحظة التي كان يمكن أن يكون فيها "خبرًا في الإعلام" بتعبيره.

يروي صاحبنا، وهو بين الهزل والغصّة، الليلة التي أبحر فيها ميلا إضافيا ناحية الشمال متجاوزا علامة مائية هي عبارة عن غاطس وضعه الاحتلال كحد أقصى يبلغه الصيادون الفلسطينيون.

يقول رمزي، الذي أحرقت الشمس بشرته، إنه تفاجأ بـ "طرّاد إسرائيلي" يخترق الظلام ويسلط نحوه ضوءا قويا قبل أن يفتح عليه رصاص رشاشه المنصوب على مقدمة الزورق. فبات في موقف ليس عليه إلا أن يكون ضحية!

حينها، لم يختر رمزي الاحتماء أو إلقاء نفسه في الماء، إنما اختار حماية ما يحفظ له مهنته، احتضن مُحرك القارب!

قد يبدو ذلك تصرفًا غريبًا ينافي الرضا الإلهي، لكن تبين أنه قرار يُقدم عليه 3500 شخص يعملون في مهنة الصيد بغزة، حين يتعرضون للنار.

يضيف رمزي، وقبعته على رأسه تتطوّح يمينا ويسارا: "ممكن أقبل رصاصة في جسدي على ألا تصيب مُحرك القارب"!

في الأثناء، تدخّل الصياد رائد، الذي كان يستمع إلى الحديث بالجوار، ليؤكد أن جنود الاحتلال يتعمدون إطلاق النار على مُحركات القوارب، لعلمهم أن تعطلها يعني عدم عودتنا إلى البحر.

لذلك، يقول رائد، نضطر إلى احتضان المُحركات حين يتم إطلاق النار علينا؛ لإجبار الزوارق الحربية على وقف الرصاص.

لكن إذا لم يبال الجنود بذلك؟، سألته "الرسالة" بفضول، وأجاب في تماهٍ: "هناك شيء اسمه شرف التضحية"!

الصيد تحت النيران

جرى بنا خيل الكلام مع الصيادين رمزي ورائد. كانا الأكثر تضحية، وهم لا يملكان غير قارب ومُحرك، ضمن عشرات القوارب الراكدة في حوض ميناء غزة، التي قد تغدو في يوم خماصًا، ولا تعود!

فالقارب الذي يتعطل في غزة لن يعاود الإبحار، وفق نزار عياش نقيب الصيادين الفلسطينيين لـ"الرسالة"؛ تمكينا للحصار الإسرائيلي المائي على القطاع.

ويشير عياش أن الاحتلال صادر منذ بداية العام الحالي ما يقرب من 36 قاربًا فلسطينيًا، فيما اعتقل 115 صيادًا، وأصاب 6 آخرين برصاصه.

وأكد ما تحدث به الصياد رائد، أن الاحتلال يتعمد تعطيل المراكب بإطلاق النار على المُحركات، موضحًا أن تكلفة المُحرك الواحد تبلغ 30 ألف شيكل!

عدا عن أن الاحتلال يمنع إدخال المحركات، وكل معدات الصيد، وأهمها مادة (الفيبر جلاس) التي تستخدم في صناعة المراكب، وفق عياش.

ويعمل في مهنة الصيد في قطاع غزة حوالي 3500 صياد مال عليهم الزمن، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة. وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فإن الصيادين هم أفقر فئة في مجتمع غزة، خاصة أن 95% منهم يعتمد على الإعانات.

ولا يسمح الاحتلال للقوارب الغزّية من الإبحار لأكثر من ستة أميال منذ عام 2006.

في كل مهنة، على اختلافها، يكون الأجر على قدر المشقة، إلا مهنة الصيد في بحر غزة، فإن الأجر فيها على قدر التضحية!

البث المباشر