ينطبق على موقف السلطة الفلسطينية من توارد الحديث عن إقامة منطقة تجارية حرة بين قطاع غزة ومصر، المثل العربي القائل بأن الناس مجزيون بأعمالهم!
والملاحظ أن أيا من قيادات السلطة لم يعلن موقفه من ذلك، باستثناء تصريح لعزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة بحركة فتح، بمنزلة شاهد على طلاق سياسي بين رام الله والقاهرة.
الأحمد، قال في تصريح لوكالة "قدس برس" إن ملف المصالحة لا يزال بيد وزارة الخارجية القطرية. رغم أنه صرّح في وقت سابق بأن مصر راعية هذا الملف "رغما عن حركة حماس".
من ذلك، يمكن فهم التوجه المصري بالانفتاح على القطاع، وتوظيف ذلك في عقاب السلطة وإلحاق الخسارة بها، عبر سحب الأرباح منها وإيداعها في حساب غزة، من خلال منطقة تجارية حرة.
فالمعلومات المتوفرة لـ "الرسالة" تشير إلى جدية هذا التوجه، الذي سيضمن توفير السلع والاحتياجات الأساسية التي كانت السلطة تحتكر إدخالها إلى غزة، وجباية الضرائب منها، مثل الوقود الذي كان يعود على خزينة رام الله بملايين الدولارات.
فقطاع غزة يحتاج مليون لتر تقريبا من المحروقات، ولا تزال السلطة تُصرّ على فرض ضريبة البلو على الوقود المورد إلى محطة كهرباء غزة الوحيدة، لتصبح جزءا رئيسيا من أزمة الكهرباء فيها.
وتجبي السلطة أكثر من 30 مليون دولار شهريا، ضرائب على الوقود الوارد إلى القطاع، ولم تستجب السلطة يوما للمطالبات بوقف هذه الضرائب، استشعارا بمعاناة غزة، على اعتبار أنها توفر حصة كبيرة من إيراداتها على المعابر.
وعليه، فإن إنشاء المنطقة التجارية يعني فقدان السلطة هذه الأموال، وبالتالي يضعها أمام أزمة مالية خانقة، يمكن أن يسبب لها عجزا في توفير رواتب موظفيها، إذا ما علمنا أن الحصة الاكبر من موازنات السلطة ونفقاتها تذهب لفاتورة الرواتب، التي تبلغ (2 مليار دولار) سنويا، أي ما يعادل 60% من الموازنة العامة، أو 100% من الإيرادات المحلية.
ومهم معرفة أن غزة تساهم بنسبة 50% من ايرادات المقاصة، وهي نسبة كبيرة جعلت من منها "بقرة حلوبا" للسلطة، علما أن أسباب ارتفاع ايرادات المقاصة تعود إلى تحويل كامل الواردات لغزة عبر الطرف الاسرائيلي، وذلك بعد تدمير الجيش المصري الأنفاق الحدودية، بشكل كامل.
ويقدر إجمالي مبلغ المقاصة المُحصل من غزة 965 مليون دولار سنويا، بواقع 80.42 مليون دولار شهرياً، وفق تقدير مختصين اقتصاديين.
ويكشف النائب ابراهيم دحبور، مقرر لجنة الموازنة والشؤون المالية في المجلس التشريعي، في تصريح سابق لـ "الرسالة"، أن ضريبة المقاصة على السلع والخدمات التي تدخل قطاع غزة، تجبيها وزارة المالية في رام الله بنسبة 100%، ولا يستفيد تجار وسكان القطاع منها شيئا، ولا تصادرها (إسرائيل) كما كانت تدعي السلطة، مشيرًا إلى أنها مبالغ كبيرة تصل إلى حوالي مليار دولار !
على الجانب المصري، تبرز حاجة القاهرة للمنطقة التجارية باعتبار أنها تدر 3 مليارات دولار سنويا، هي قيمة التبادل التجاري، لكون غزة أكبر سوق استهلاكي؛ عدا عن إمكانية أن تدعم المنطقة مصر على صعيد العملة الصعبة، وإحداث التنمية الاقتصادية المطلوبة لشبه جزيرة سيناء.
المحصلة أن الأموال التي كانت تعاقِب بها السلطة قطاع غزة، باتت تعاقَب بها، ليثبت أن الجزاء من جنس العمل.