تشهد مدينة القدس المحتلة حملة تهويد "مسعورة" من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، كان آخرها مصادقة لجنة بالكنيست (الإسرائيلي) على قانون يمنع الأذان في مساجد المدينة؛ وذلك في إطار السعي لفرض واقع جديد، ومحاولة تقسيم المسجد زمانياً ومكانياً.
قرار الاحتلال منع الأذان في مساجد مدينة القدس المحتلة عبر مكبرات الصوت، أثار ردة فعل الفصائل والقوى الوطنية والشعب الفلسطيني، إلا أنها كشفت بالوقت نفسه دور السلطة وصمتها إزاء هذا القرار.
واعتادت السلطة الفلسطينية عبر المتحدث باسمها إصدار بيان استنكار ردًا على انتهاكات الاحتلال ضد المسجد الأقصى، إلا أنها لم تصدر أي موقف رسمي ضد المشروع (الإسرائيلي) الأخير بمنع الأذان في مدينة القدس، مما يضع علامات استفهام حول صمتها على هذا القرار.
وصادقت اللجنة ذاتها على "مشروع قانون المؤذن" والقاضي بمنع الأذان في المساجد بالبلدات الفلسطينية بما فيها القدس المحتلة عبر مكبرات الصوت، بحجة إزعاج المحيطين بالمسجد ودور العبادة.
وينص مشروع القانون على منع استخدام مكبرات الصوت لبث "رسائل" دينية أو وطنية بهدف مناداة المسلمين للصلاة، وجاء في نص المشروع "مئات آلاف الإسرائيليين يعانون بشكل يومي وروتيني من الضجيج الناجم عن صوت الأذان المنطلق من المساجد والقانون المقترح يقوم على فكرة أن حرية العبادة والاعتقاد لا تشكل عذراً للمس بنمط ونوعية الحياة"، وفق تعبيره.
وأبدى رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، تأييده للمشروع، حيث وصف صوت الأذان بـ "الضوضاء"، قائلاً: "لا يوجد أي نص ديني يبيح إزعاج الناس بمكبرات الصوت، ولا يوجد أمر من هذا القبيل بالدول العربية أو الأوروبية"، حسب تعبيره.
السلطة منشغلة بصرعاتها
كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الاسلامية في الداخل المحتل، أكد أن صمت السلطة على القرار (الإسرائيلي) بمنع الأذان في مدينة القدس؛ شجع حكومة الاحتلال على الاستفراد بالمسجد الأقصى. وقال الخطيب في حديث لـ "الرسالة نت": "إن السلطة منشغلة في صراعاتها الداخلية، وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى تغول الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى وفرض قوانين صارمة بحقه".
وأوضح أن السلطة أصبحت غير مهتمة في الشؤون الداخلية للفلسطينيين، ولا تستطيع أن تحمي الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية من انتهاكات الاحتلال المستمرة بحقهم. وأضاف الخطيب:" الاحتلال أصبح يدرك أن السلطة الفلسطينية مشغولة في صراعتها الداخلية لذلك أقدم على خطوات تصعيدية ضد المسجد الأقصى، لأنه أصبح متيقنا أنها لن تفعل شيئا ضد قرار منع الأذان بالقدس".
ولفت إلى أن المؤسسة (الإسرائيلية) أخذت ضوءا أخضر للبدء بتطبيق هذه القرارات، لأنه لا يوجد أحد يستطيع أن يوقفها، وأن يضع حدا لانتهاكاتها المستمرة بحق الفلسطينيين. وشدد نائب رئيس الحركة الاسلامية في الداخل المحتل، على أن صمت السلطة ضد قرار الاحتلال الأخير بمنع الأذان يعطيه الضوء الأخضر لتطبيقه، وتصعيد انتهاكاته ضد المقدسات الإسلامية.
وتابع: "الاحتلال يستغل الظرف العربي ويصعد اعتداءاته على الأقصى، في ظل تجاهل الحكومة الأردنية وعدم اعتراضها على هذه المهزلة؛ مما يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بأن توغل في اعتدائها وانتهاكها لحرمته".
وأشار الخطيب إلى أن "التنسيق الأمني" الذي تقوم به أجهزة أمن السلطة مع الاحتلال يشكل عنصرا ضاغطا على أهل القدس والضفة ويمنعهم من التصدي لاعتداءات الاحتلال.
النائب عن كتلة التغيير والإصلاح يحيى موسى، قال إن السلطة عاجزة عن حماية المقدسات الفلسطينية، ومنع الاحتلال من تنفيذه قرار منع الأذان في مدن القدس المحتلة. وأضاف موسى في حديث لـ "الرسالة نت": "قرارات السلطة وصمتها منسجمة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهي فقط وجدت للتصدي للمقاومة وليس للدفاع عن الفلسطينيين ومقدساته".
وأوضح أن سلوك السلطة في التعامل مع انتفاضة القدس واعتقال ناشطي الانتفاضة ومنع المظاهرات وملاحقة المقاومة، أغرى الاحتلال باتخاذ مزيد من القرارات ضد الفلسطينيين دون وجود ردة فعل توقفهم. وتابع: "الاحتلال اختبر إرادة الشعب الفلسطيني ولم يجد ردة فعل توقف قرارته، وهذا بفعل الحملات الأمنية للسلطة ضد رجال المقاومة في الضفة المحتلة".
السلطة لن تدافع عن القدس
الأب مانويل مسلم رئيس دائرة العالم المسيحي في منظمة التحرير الفلسطينية، حمّل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مسؤولية إهمال ملف القدس.
وأكد مسلم في حديث لـ "الرسالة نت" أن السلطة لن تتجه إلى الدفاع عن الأقصى؛ لأنها لا تملك قرارا يقضي بذلك، مما يزيد الهجمة (الإسرائيلية) ضده"، مشددا على أن المفاوضات التي تنتهجها السلطة في العلاقة مع الاحتلال لن تحمي القدس، أو إفشال مخططاته الرامية إلى تغيير معالم المقدسات الإسلامية.
وأضاف:" المطلوب من السلطة رفع اليد الثقيلة عن ناشطي المقاومة في الضفة المحتلة للدفاع عن الأقصى والمقدسات الإسلامية من بطش قطعان المستوطنين"، موضحاً أن اعتقال السلطة لناشطي المقاومة بالضفة، وعدم توجهها لمحكمة الجنايات الدولية والمؤسسات الحقوقية، لا يخدم أي جهة سوى الاحتلال ومستوطنيه، مما يضع علامة استفهام على دور السلطة اتجاه حماية الأقصى.
وبيّن أن المطلوب من الشعب الفلسطيني في ظل غياب السلطة وتعنت الاحتلال، هو استخدام خيار المقاومة للدفاع عن المقدسات الإسلامية، معتبراً أن وصاية الأردن على المسجد الأقصى "حبر على ورق"؛ في ظل ما يتعرض له المسجد من اقتحامات واعتداءات للمستوطنين.
واعتبر رئيس دائرة العالم المسيحي في منظمة التحرير، أن رفع الأذان من الكنائس شرف للمسيحيين، مجددا تأكيده أن منع الاحتلال رفع الأذان بمساجد القدس والداخل المحتل، اعتداء على الطائفة المسيحية في فلسطين.
وقال إن رفع الأذان من كنائس القدس والناصرة يبعث برسالة للعالم بأن يتحرك لإيقاف "الإرهاب الإسرائيلي" بحق الفلسطينيين، موضحا أن (إسرائيل) تتجه لإشعال حرب دينية من خلال عبثها بشعائر المسلمين والمسيحيين على حد سواء، مشيرا إلى أن منع الأذان يفتح الباب على المزيد من الانتهاكات بحق الفلسطينيين.
وبيّن أن محاولة فرض منع القرار أشاع "الرائحة الكريهة (لإسرائيل) والصهيونية"، التي يحاول العالم الداعم لها كتمها بكل الوسائل، وفق وصفه، مؤكدًا أن المسلمين والمسيحيين سيقفون في وجه القرارات (الإسرائيلية) بكل أشكال المقاومة المتاحة بغزة والضفة والقدس.
وكانت كنائس مدينة الناصرة في الداخل المحتل قد رفعت الأذان عبر مكبرات الصوت، في رسالة دعم للمسلمين، ووقوفاً في وجه قرار الاحتلال بمنعه.