قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: في ذكرى انطلاقتها.. حماس المُحافظة على الثوابت الوطنية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بقلم: إيمان المتسهل

عشرون عامًا وازدادوا تسعا، هكذا أصبح عمر حركة المقاومة الإسلامية حماس في ذكرى انطلاقتها الجديدة والتي تحتفل بها هذه الأيام في ظروف محلية وإقليمية، أقلّ ما يُقال عنها، أنها بالغة الخطورة والتعقيد. فبعد مرور 29 سنة على تأسيسها، أثبتت الحركة الشابة أنها لا تزال تتمتّع بقاعدة جماهيرية عريضة جدّا وتحظى بالتفاف شعبي كبير بدا واضحا من خلال المشاركات الجماهيرية الواسعة في المسيرات التي تنظمها الحركة احتفالا بذكرى انطلاقتها في كافة أنحاء قطاع غزة.

 ففي ظُهر يوم الجمعة 9 ديسمبر 2016 قُدّر عدد المشاركين في المسيرة التي دعت إليها الحركة في شمال القطاع ب100 ألف مشارك، وللعلم فإن عدد سكان شمال القطاع وحده يبلغ أكثر من 738 ألف نسمة، وهذه النسبة العالية تمثل بالفعل استفتاءً حقيقيًّا حول شعبية الحركة ومدى التفاف الجماهير حولها والتي شكّلت طوال العقود الماضية ظهيرا قويا لها ضد كلّ المحاولات المحلية والإقليمية لاستئصالها وإضعافها وإلزامها بالتخلي عن خيار المقاومة المسلّحة كان أخطرها شنُّ إسرائيل لثلاثة حروب متتالية على قطاع غزة عقب فوز الحركة في الانتخابات التشريعية سنة 2006.

دفعت حركة حماس فواتير باهظة من دماء وأشلاء بسبب صمودها أمام العدوّ الصهيوني ورفضها الانصياع  له ولقرارات وأوامر القوى الكبرى فقدّمت دماء غزيرة لقادتها السياسيين والعسكريين من الصفّ الأوّل والثاني علاوة على عدد كبير من الشهداء والجرحى.

فخيار المقاومة المسلّحة ضدّ العدوّ الإسرائيلي كان المبدأ الأول الذي تبنّته حركة حماس  منذ تأسيسها يوم 6 ديسمبر1987 عقب حادثة الشاحنة الصهيونية التي دهست عمالا فلسطينيين في معبر بيت حانون، إيريز، شمال قطاع غزة وهي الحادثة التي مثّلت آنذاك الشرارة الأولى لانطلاق انتفاضة الحجارة، وهو اليوم الذي تم الإعلان فيه عن ميلاد الحركة على يد الشيخ الشهيد أحمد ياسين في منزله، ثم في بيانها التأسيسي الأول الذي تم توزيعه يوم 15 ديسمبر 1987 والذي تبلور لاحقا فيما يُعرف بميثاق الحركة الذي صدر يوم 18 أوت/أغسطس 1988.

شكّل تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس منعطفا محوريا هامّا في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، فالحركة تعتبر نفسها امتدادا فكريا وأديولوجيا لحركة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر سنة 1928، وإن كانت حركة حماس قد تأسست فعليا في شهر ديسمبر من سنة 1987، إلاّ أن جذورها تمتدّ إلى حركة الإخوان المسلمين حيثُ تتماهى أفكارُها ومبادئُها مع أفكار جماعة الإخوان المسلمين ومبادئها وذلك من خلال المرجعية الفكرية والإنتماء العقائدي، الإسلام الوسطي المعتدل، والإلتزام بالشريعة الإسلامية في التعامل مع الواقع وتحديد طبيعة الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي وتبنّي خيار الجهاد والمقاومة ضدّ المُحتل وهي ذات المبادئ والأفكار التي تبنّاها مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشهيد الحسن البنّا الذي اهتمّ كثيرا بالقضية الفلسطينية ودافع عنها ودعا إلى الجهاد ورفع السلاح في وجه الغزاة الصهاينة المغتصبين.

فإذا نظرنا إلى واقع حركة حماس الآن ومكانتها في الساحات المحلية والعربية والإقليمية، فإننا نرى أنها لا تزال تتبوّأ مكانة هامّة ليس فقط على الصعيد الوطني والشعبي داخل فلسطين، والذي ترجمته نتائج الانتخابات التشريعية سنة 2006 ومن ثم العديد من الإستفتاءات ومراكز سبر الآراء الفلسطينية وكذلك الصهيونية التي يُشرف عليها جهاز الشاباك بنفسه، وإنما أيضًا في الأوساط العربية والإسلامية،  فالحركة تتبوّأ مكانة هامة في البلدان العربية والإسلامية ولها أنصار كُثر خاصة في أوساط الشعوب العربية دون ذكر للأنظمة والحكومات العربية التي يُعرف عنها بالضرورة أنها لا تُمثّل إرادة شعوبها، إلاّ ما رحم ربّي.

 وإذا ما تساءلنا عن أسباب محافظة حركة حماس على هذه المكانة المرموقة واستمرار الالتفاف الشعبي الكبير حولها رغم كلّ الحروب التي شُنّت ضدّها ورغم كل المؤامرات المحلية والإقليمية والأزمات المفتعلة في قطاع غزة خاصة، من انقسام سياسي وجغرافي، وغلق للمعابر بإرادة صهيونية وعربية وسياسة عدائية حتى من طرف السلطة التي أمعنت في تضييق الخناق على غزة وشعبها عبر افتعال أزمات الكهرباء والترفيع في الضرائب وحرمان القطاع من الموازنات المالية وقطع رواتب الموظفين حتى ينفضّوا ضد حكومة حماس، ناهيك عن محاولات عديدة من طرف مخابرات السلطة الفلسطينية لإحداث الفوضى عبر عمليات تفجير و"كركعة" هنا وهناك، فإن السبب يعود لعدة عوامل أهمّها الأُسس المتينة التي بُنيت عليها الحركة والمبادئ التي تبنّتها والخيارات التي انتهجتها والأهداف التي رسمتها وحدّدتها.

 فالحركة بنت نفسها على أُسس مرتبطة بالشريعة الإسلامية، فهي حركة إسلامية سنية معتدلة تتبنى مبدأ الجهاد في سبيل الله لدحر الإحتلال الصهيوني وتتوخى في ذلك أسلوب المقاومة المسلّحة الذي بدأ بالسلاح الناري البسيط إلى تطوير قدراتها العسكرية لحدّ تصنيع القذائف والصواريخ محلية الصُّنع والتي وصل مداها في الحرب الأخيرة على قطاع غزة إلى تل الربيع وحيفا ونهاريا.

كما تتبنّى الحركة استراتيجية ثابتة لم تتغيّر رغم مرور ثلاثة عقود، وهي مواجهة الكيان الصهيوني داخل رُقعة فلسطين التاريخية دون المواجهة خارج حدودها مهما كانت الأسباب والظروف، وتعتبر الحركة أنّ أيّ دعوة لمحاربة الإحتلال الصهيوني خارج الأراضي الفلسطينية المُحتلة بمثابة محاولة للإستدراج من أجل إيقاعها في صراعات خارجية  تُفقدها بوصلتها وتَستنزف قوتها ومُقدّراتها في مواجهات قد تجلب لها أعداء آخرين غير الصهاينة.

كما تتبنى الحركة دعم الكفاح المسلّح لأي فصيل فلسطيني مقاوم داخل الأراضي المحتلة، وتلتزم بمبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول وهي سياسة أقدّر أنها سابقة في عصرها إذا ما قارناها بسياسات العديد من القوى والحركات التي فقدت شعبيتها وقدراتها بسبب انحراف بوصلتها وانغماسها في حروب غير حروبها ضد العدوّ المركزي للأمة، العدوّ الصهيوني، ولعلّ واقع حزب الله اللبناني الذي غيّر معادلة الحرب من مواجهة إسرائيل إلى مواجهة الثورة السورية يُعدّ أفضل مثال على صواب منهج حركة حماس وحكمتها في تبنّي سياسة عدم التدخّل في الشؤون الداخلية  للبلدان أو نُصرة جهة معيّنة على أخرى أو فصيل معيّن على فصيل آخر.

كما تُؤمن الحركة بالانفتاح على جميع البلدان العربية وغير العربية والوقوف على مسافة واحدة من جميع أحزابها وفصائلها بصرف النظر عن انتماءاتها أو ولاءاتها. إلاّ أن سياسة الحياد هذه لم تُجنّبها المكائد وتآمر العديد من الجهات ووقوفها مع الكيان الصهيوني لإسقاط حكم حماس عبر دعم إسرائيل، ابتداءً بالإعتراف بها كدولة قومية يهودية وشرعنه وجودها على الأراضي الفلسطينية المحتلّة والوقوف موقف الحياد أو الإنحياز للحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، ولعلّ موقف النظام المصري كان الأسوء الأكثر خطورة بسبب القرابة الجغرافية. فسواء في عهد مبارك الذي بارك وأعطى الضوء الأخضر لوزيرة الخارجية الصهيونية ستيبي ليفني خلال لقائهما بالقاهرة بشن العدوان الصهيوني في شهر ديسمبر من سنة 2008 قبل 48 ساعة فقط من بدء العدوان، مع إغلاق تام لمعبر رفح وشرعنة العدوان من أجل القضاء على حكم حماس، أو في عهد الجنرال الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تبيّن في أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من مسؤول صهيوني أنه كان من بين المخطّطين والمهندسين للعدوان الصهيوني الأخير على غزة صائفة 2014، حيث عبّر السيسي في عدة مرّات عن غضبه وامتعاضه من فشل إسرائيل في هزم حماس والقضاء عليها وهو ما ترجمه من معاملة عدائية تجاه حركة حماس وسكان القطاع منذ الانقلاب العسكري الذي نفّذه عبر تدمير أغلب الأنفاق الحدودية وإنشاء الخندق المائي لإغراق الحدود بمياه البحر واستمرار إغلاق معبر رفح وتضييق الخناق على القطاع وصولاً إلى دعم إسرائيل في حربها على غزة وعلى حركة حماس بشكل خاص ممّا انجرّ عنه موقف مصر المنحاز لإسرائيل خلال معركة العصف المأكول. فبالرغم من رعايتها لاتفاق التهدئة الذي وقعته المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني بعد أن وضعت الحرب أوزارها، إلاّ أنّ مصر لم تعمل على إلزام الجانب الإسرائيلي باحترام بنود اتفاق التهدئة التي تخترقها إسرائيل في الصباح والمساء عبر إطلاق النار على الصيادين في عرض بحر غزة وشن غارات جوية في العديد من المناسبات في عمليات استفزاز سافرة وخرق للتهدئة، الأمر الذي يؤكد أن مصر لا تمثل البتّة الجانب الراعي لاتفاقات التهدئة ولا تقف أصلا إلى جانب الفلسطينيين ولا تتبنى قضيتهم وإنما تساند الكيان الصهيوني وتنفّذ مشاريعه على أحسن وجه وتبلي في ذلك البلاء الحسن خاصة بعد إعادة التمثيل الديبلوماسي بين تلّ أبيب والقاهرة.

رغم كل هذه المؤامرات والمحن، فقد بقيت حركة حماس صامدة ولم تتأثّر بظلم القريب و خذلان البعيد، ولم تتخلّ عن سلاحها ولم ترفع الراية البيضاء ولم تعطِ الدنيّة في دينها ولم تخضع لكل الابتزازات والدعوات لترك الجهاد والانخراط في مسلك المفاوضات العبثية أو الإعتقاد ولو لبرهة بمبدأ التسوية والحلّ السلمي للقضية الفلسطينية، بل بقيت متمسّكة بخيار المقاومة غير مُعترفة بالوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين. كما أن الحركة تؤمن بمبدأ الوحدة والمصالحة الوطنية وتُؤثر الشراكة على سياسة الإنفراد بالحكم والقرار الوطني وهو ما جعلها تسعى جاهدة لتحقيق المصالحة والوحدة مع حركة فتح التي لم تلتزم في أي اتفاق من الاتفاقات التي أبرمتها على تنفيذ المصالحة، بل بالعكس، كلّ ما مرّ يوم، ازداد تورّطها في مستنقع التنسيق الأمني مع الإحتلال الصهيوني لتصبح بذلك عبارة عن جهاز أمن وظيفي مهمته تقتصر على حماية مصالح الكيان الصهيوني ولو تطلّب الأمر مواجهة الفلسطينيين وملاحقتهم واعتقالهم وسجنهم وحتى قتلهم نيابة عن العدوّ الصهيوني.

وضعت حركة حماس منذ نشأتها أهدافا محددة وهي تحرير فلسطين وعدم التفريط في أي شبر من ترابها ورفض أي دعوة للتخلّي عن خيار الجهاد والمقاومة، وعدم القبول بخيار التسوية أوالمفاوضات مع الصهاينة، النهج الذي تؤمن به وتتمسّك به حركة فتح في المقابل، وهو الأمر الذي جسّدته حماس خلال جلسات التهدئة غير المباشرة مع العدو الصهيوني في معركة العصف المأكول حيث رفضت التفاوض حول موضوع الأنفاق أو الإلتزام بعدم حفر الأنفاق الدفاعية والهجومية، الهاجس الذي يقضّ مضجع لصهاينة ويربك كلّ حساباتهم خاصة أن موضوع الأنفاق قد أصبح استراتيجية  يتبنّاها الذراع الحربي لحركة حماس المتمثلة في كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام لمواجهة التفوّق العسكري الكبير الذي تتمتّع به إسرائيل وعدم تكافؤ موازين القوى بينهما وكذلك تضاريس قطاع غزة غير، فالقطاع عبارة عن سهل ممتدّ على طول الشريط الساحلي دون جبال أو هضاب، وبالتالي كان اعتماد الحركة على استراتيجية بناء الأنفاق وتطويرها ضمن قاعدة عميقة ومتشعبّة تمتدّ إلى حدود المستوطنات وربما أبعد منها حنكة حربية أوجدتها، فالحاجة أمّ الاختراع.

على المستوى الاجتماعي والتنموي، استطاعت حركة حماس خلال قُرابة ثلاثة عقود من عمرها أن تقدّم خدمات مهمّة لشعب غزة عبر سياسة محاربة الفقر ودعم التنمية عبر بناء المدارس والجامعات كالجامعة الإسلامية والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية وبناء المستشفيات والعيادات علاوة على الخدمات الإغاثية المتمثلة أساسا في لجان الزكاة والجمعيات الخيرية المنتشرة على كافة أنحاء القطاع، كما تعطي الحركة اهتماما بارزا لدور المساجد في ترسيخ الثقافة الإسلامية وغرس ثقافة المقاومة في أرواح الناشئة وتشجيع العمل الدعوي والإسلامي عبر تكثيف النشاطات القرآنية و الدعوية وإنشاء دورات حفظ للقرآن والأحاديث يُسهم فيها ويشرف عليها العديد من قادة الحركة أنفسهم.  بعد 29 سنة من المقاومة والعطاء، لا تزال حركة حماس متمسّكة بعملها الدعوي الإسلامي وبمشروعها الوطني التحرّري

البث المباشر