قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: واجب الوقت في المنازَلة!

د. أسامة الأشقر


1. تتبدّل الأحكام وتتغيّر، وتتقدّم وتتأخّر، وتترتّب وتتنظّم وتتعلّق بأوقات لا يسعكم أبداً أن تتجاوزوها، أو تتراخوا في تقرير الأحكام الواجبة فيها، أو تفقدوا القدرة على التمييز بين العاجل والآجِل فيها، وبين الفرديّ والجماعي في تحديد المخاطَبين بها، وبين التكتيكي والاستراتيجي في تقدير خطورتها وأولويّتها.
2. وهذا المقام الذي نتحدث فيها ليس مقام الأفضلية، بل مقام المفروضيّة والواجبيّة والأولوية لأنه يتأسس على ظهور الواجب الشرعيّ وظهور قوة الاجتهاد المؤشِّر إليه.
3. ونحن نعلم أن الوقائع لا تنشئ الأحكام، وأنها ليست مصدراً لها، لكننا نعلم أن هذه الوقائع المزلزلة واجبة الاعتبار في تقريرها وتوجيهها والتكليف بها وتنزيلها بناء على تقدير المصالح المعتبرة ومواكبة وقائع الأحوال ومراعاة مآلاتها، ومراجعة عواقبها، ومناسبة أحكامها.
4. واجب الوقت اليوم ليس في استثمار تداعيات الطوفان التي تأخذ مدى مؤجّلاً في حصاد نتائجها وقطف ثمارها، كما يفعله بعضهم في زيادة الفعل الإعلامي، وتنشيط الحراك الدبلوماسي، والتوسّع في العلاقات العامة، وبناء المؤسسات الرديفة، وإقرار المنظومات الدراسية، واختبار المسارات القادمة واقتراح الإصلاح وافتعال المراجعات... على حساب الفعل الحقيقي المتعيّن في وقته.
5. واجب الوقت اليوم ليس في إثارة الخلافات، ولا الردود على المخالفات، ولا المناورة على الصوارف والمُشاغَلات، ولا معايرة النطائح والمتردّيات والموتى ومأكولي السِّباع... فإنه قد يكون جليلاً فاضلاً في معتاد ظهوره، لكنه مفضول لا يُنظر فيه عند استعلاء النوازل وهجوم التحدّي ومعركة الوجود وحماية الجذور من الاستئصال.   
6. واجب الوقت الآن في إنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، وحمل السلاح، والانخراط في المعركة المباشرة، والالتحام والاشتباك حيث أمكن ذلك وأثَّر وغَيّر معطيات المعركة لصالح الأبرار المعتدَى عليهم.
7. واجب الوقت اليوم هو في طوفان المشاعر المشحونة ومحاصرة السياسات المحلية المتخاذلة وإرهاق الطبقة المتحكّمة  المستكينة وإجبارها على رفع سقوفها. 
8. واجب الوقت اليوم في الإسناد المباشر بكل ما يلزم ويعين وفق قائمة احتياجات مطلوبة، وليس اجتهادات افتراضيّة، ووفق خريطة عمل ودليل عمليات، وليس وفق تقدير الاحتمالات ومراعاة المسموحات والممنوعات.
9. واجب الوقت اليوم يفرض علينا أن نتجاوز المناقشة المفرطة في تقدير الحسابات والهروب من دفع الاستحقاقات والتزهيد في التضحيات ومنع الاجتهادات.
10. واجب الوقت اليوم في تأمين مسار الطوفان وحمايته وتأمينه وصيانته وشحنه وتعظيمه وفتح مساراته ليرسو على ميناء نظيف مستعد للانطلاق صوب المرحلة التالية، يجتمع في فهم ذلك أهلُ النظر وأرباب الحكمة وعيون المستشرِفين وعُشّاق السعادة.
11. الانخراط في واجب الوقت اليوم هو من أنفع الأعمال وأبركها لأنها أصعبها وأشقّها وأكثرها تعدّداً في وجوه المصلحة وأكثرها وضوحاً في الوجوب واستحقاق الأجر واعتبار الجدارة واستحقاق الأهليّة.
12. إذا كنتَ صاحياً واعياً الآن فإن الواجب قد تعلّق برقبتك، فرتِّب ساعاتك مرحلةً وراء مرحلة، فلا ترف في الوقت الآن، ولا سعة فيه للتجوّل.
13. واحذر أن تشقّ الصفّ بأن تنخرط في معركة جانبيّة، فإنّك إن لم تجد حولك من يتبنّاك فاحمِلْ نفسَك وخذها سُيوحاً إلى الله مع من تثق، وافتح جبهتك حيث أنتَ، وصوِّبْ نحو العدوّ فحسب، ولا تشتِّت الهدف بافتراض أعداء فرعيين أو هامشيين.
14. وتذكروا دائماً كلام سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه: (ما من امرئٍ يخذُلُ امرَأً مسلماً في موضعِ تُنتهَكُ فيه حرمتُه، ويُنتقَصُ فيه من عِرْضِه، إلا خذلَه الله في موطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَهُ، وما من امرئٍ ينصُرُ مسلِماً في موضعٍ يُنْتَقَصُ فيه مِن عِرْضِه، ويُنتهَكُ فيهِ من حُرمتِه إلا نصرَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ في موطنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَه) .

البث المباشر