قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: إنقـاذ فلسـطين من الأعداء الجدد

د. سلمان أبو سته
د. سلمان أبو سته

د. سلمان أبو سته

هذا العام يكمل الشعب الفلسطيني 100عام من النضال من أجل أن يعيش حراً كريماً في وطنه، وهذه هي أطول حرب منظمة مستمرة ضد شعب أعزل. كان العدو ولا يزال هو الاستعمار الغربي والصهيونية الاستيطانية الاستعمارية.

وكان قادة الشعب الفلسطيني يحاربون هؤلاء الأعداء حسب قدراتهم، وخلفهم الشعب الفلسطيني يفتدى حقه في وطنه بأرواح الشهداء وصمود الأحياء. كان الحاج أمين الحسيني يستنهض الهمم ويستنجد بالأمة الاسلامية لإنقاذ الأقصى. وبنى ياسر عرفات على تنظيمات الفدائيين في غزة التي تطورت الى الثورة الفلسطينية بعد عام 1968 وبعد إنشاء المنظمة عام 1964، والتي أدت إلى عودة قضية فلسطين الى صدارة قضايا العالم عندما ألقى ياسر عرفات خطابه في الأمم المتحدة عام 1974.

لكن الانحدار بدأ بعد ذلك، وتكلل باتفاقية اوسلو التي عادت بالوبال على الشعب الفلسطيني وبالكوارث أكثر مما فعل وعد بلفور.

وإن كان ياسر عرفات قد أخطأ التقدير بظنه أن أوسلو ستكون وسيلة للعودة الجزئية إلى الوطن المحتل عام 1967، فإن محمود عباس مهندس اوسلو وحاميها وراعي كوارثها إلى يومنا هذا لم يكن مخطئاً في التقدير، بل كانت النتيجة اليوم في صميم تقديره.

اتفاقية اوسلو لم تذكر ولو مرة ” الحقوق ” الفلسطينية ولا القانون الدولي ولا قرارات الأمم المتحدة. لقد خلقت اوسلو حكومة فيشى الجديدة على نسق حكومة فيشى الفرنسية المتعاونة عندما كانت فرنسا تحت الاحتلال النازي الالماني. بل إن بروتوكول باريس الاقتصادي الذى وقعه أحمد قريع وجعل الاقتصاد الفلسطيني رهينة لإسرائيل ( 98% من واردات الضفة من إسرائيل، و 78% من المعونات الدولية تذهب إلى إسرائيل )، هو صورة طبق الأصل من بروتوكول باريس الاقتصادي الذى وقعته حكومة فيشى مع النازية عام 1941.

لقد تراجع أحمد قريع وأقر بأن اتفاق اوسلو كارثة، وتخلى ياسر عبد ربه عن إلغاء حق العودة تحت غطاء ” اتفاقية جنيف ”، ونسمع أن صائب عريقات يطلق التصريحات بفساد اتفاقية اوسلو.

إلا محمود عباس، فقد تمسك بأوسلو أكثر من تمسك نتنياهو بها. ولم يتعلم من دروس الفشل التي كانت تلقى عليه وتصفعه كل يوم لمدة 23 عاماً.

لكن هذا يهون أمام تدمير المنظمة ومجلسها الوطني وهو الإنجاز الوحيد الذي بقي لنا، حتى نبقى شعباً واحداً له وطن واحد.

لقد حول دائرة اللاجئين التي تمثل ثلثي الشعب الفلسطيني ( أكبر من الأردن أو لبنان ) إلى محل تقاعد لبضعة موظفين.

 لقد رفض بإصرار الدعوة إلى انتخاب مجلس وطني جديد حتى قبل فوز حماس بالانتخابات. لقد رفض التسجيل في محكمة الجنايات الدولية وقبول قرار جولدستون إلا بعد لأي. لقد أهمل حقوق ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني، وادعى ببقائه في سلطة تحت الاحتلال يعيش فيها الربع الباقي، أنه يمثل كل الشعب الفلسطيني، ودعمته إسرائيل والغرب لأنه الوحيد تحت هذا الادعاء الذى يقبل بالتعاون معهم والتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني.

وقدم محمود عباس لإسرائيل تنازلاً معلناً مشهوداً عن أربعة أخماس فلسطين بأن طلب من أغلبية أعضاء الأمم المتحدة التصويت على دولة فلسطين في خُمس أرض فلسطين خلافاً للميثاق الفلسطيني الذي يمنع التفريط في ذرة من تراب الوطن، ودون موافقة الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. وهذا يعنى أن 20% من فلسطين أصبح وطن 12مليون فلسطيني وأن 80% من فلسطين أصبح وطن 5 ملايين يهودي.

وهذه هدية لم تحلم بها إسرائيل منذ وعد بلفور وما تلاه من سلسلة اقتراحات مشاريع التقسيم المرفوضة في أعوام 1937و1947 والتي ليست لها قيمة قانونية مالم يوافق عليها الشعب إذا تنازل عن وطنه. وها هو الآن محمود عباس يقدم هذا التنازل عن معظم فلسطين، نيابة عن الشعب الفلسطيني.

وطاف محمود عباس بالدول العربية والإسلامية يحمل منشوراً بأعلام 56 دولة يبشر فيها باعترافهم باسرائيل مقابل اعتراف اسرائيل بدويلة في فلسطين. اسرائيل التقطت الفرصة وأقامت علاقات معلنة وغير معلنة مع هذه الدول، ومن بينها بعض الدول العربية، التي تجرأت على ذلك ( ولم تكن تجرؤ من قبل، عندما كان للقضية الفلسطينية هيبة )، باعتبار أنها لن تكون أكثر ولاء لفلسطين من ” قادتها ”.

اعترفت تلك الدول باسرائيل صراحة أو ضمناً، ولم تعترف اسرائيل بأي فلسطين على أي بقعة.

لا نريد أن نذكر هنا الفساد المالي والوطني للسلطة وخدمة العدو الاسرائيلى فهذا معروف للجميع.

ولكننى أريد أن أذكر الآتى لأبين جسامة التردي الذى وصلنا اليه. بعد غياب المنظمة وتصدر السلطة، لم يعد في الساحة الدولية من يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة إلا الأفراد والجمعيات والهيئات الفلسطينية في الشتات وبعض البلاد العربية، وحتى الأجنبية المتضامنة مع فلسطين. هم الذين ملأوا هذا الفراغ.

ولكنهم عندما عرضوا مطالب الشعب الفلسطيني في كامل وطنه وحق العودة إليه، وحقه في مقاومة المحتل، أمام الجهات الاوربية الرسمية، فوجئوا بالرد بأن هذا لايمثل الرأي الرسمي الذي يتلقونه في المخاطبات والمداولات الرسمية. وأنا شاهد على ذلك في عشرات الحالات.

يصبح العبء إذن على المدافعين عن الحقوق الفلسطينية أن يبينوا أن هؤلاء ” الرسميين ” لا يمثلون الشعب الفلسطيني، وليست لهم شرعية، لا في الشتات حيث لم ينتخبهم أحد ولا في الأراضى المحتلة عام 1967 حيث انتهت شرعيتهم من سنوات.

وأصبح لدى الشعب الفلسطيني لأول مرة أعداء لحقوقه من بين أفراده، يضطر إلى مقاومتهم بجانب الأعداء التقليديين، وهذه قمة المأساة.

 والحل طبعاً أن يصر الشعب الفلسطيني على انتخاب مجلس وطني جديد لشعب بلغ تعداده أكثر من 12 مليون، غالبيتهم شباب ولدوا بعد اوسلو. ويرفضون أن يقرر مصيرهم من لم ينتخبوه، بل من يعادى حقوقهم ويقزم وطنهم إلى رقعة منه خادمة للاحتلال.

إذن على الشعب الفلسطيني ان يرفع صوته وينظم نفسه في مؤتمر شعبي عام، ويطالب بانتخاب مجلس وطني جديد، وينظف البيت الفلسطيني بمكنسة ديمقراطية، ويعيد إلى الصدارة قيادة جديدة شابة نظيفة، جديرة بهذا الشعب الذي لايزال يحارب من أجل حريته قرناً من الزمان، وإن كثرت عليه الأعداء.

البث المباشر