ينقلب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب على سياسة الإدارة الأمريكية السابقة في عدة ملفات داخلية وخارجية، من بينها ملف القضية الفلسطينية، فقد بدأ الرجل عهده بالدعم اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي وسياساته حتى المتعلقة بالاستيطان، خلافاً للقرار الذي صدر عن مجلس الأمن ضد الاستيطان، معتبراً بأنه "غير شرعي ومقام على أراضي فلسطينية".
ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئيسها وأعضائها يلقون بالقضية الفلسطينية خلف ظهورهم، خاصة أن ترامب رد على كل برقيات التهنئة التي وصلته إلا رسالة الرئيس محمود عباس، كما أن محاولات كبار مسؤولي السلطة للتواصل مع الإدارة الجديدة باءت بالفشل، رغم أن عباس طلب من الرئيس الروسي بوتين التوسط لدى ترامب.
وقبل أن تستفيق قيادة السلطة الفلسطينية من صدمة التصريحات حول نقل السفارة الامريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، جاء إعلان الناطق باسم البيت الأبيض شون سبايسر أن الرئيس ترامب يدرس من جديد قرار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قبيل مغادرته منح السلطة الفلسطينية مساعدات مالية بمبلغ 221 مليون دولار.
ويشكل قرار الرئيس ترامب بحث المساعدات الأمريكية بداية مقلقة لعهده فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، في حين تشير التوقعات إلى أنه لن يتم إيقاف المساعدات وإنما تقنينها.
ومن الجدير بالذكر أن أميركا قننت إلى حد كبير مساعداتها للسلطة الفلسطينية خلال الأعوام السابقة، قبل أن يتفق الجانبين الأميركي والفلسطيني على اعتماد مبلغ 200 مليون دولار سنوياً، لذا تزداد التخوفات من أن ينهي ترامب هذا الاتفاق ما قد يأزم الوضع المالي للسلطة.
وبحسب تقارير سابقة لوزارة المالية الفلسطينية، فقد "بلغت قيمة مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية للسلطة الفلسطينية منذ عام 1994، ما قيمته 4.9 مليار دولار، بمتوسط نصف مليار دولار سنويا، لكن عام 2014 شهد وصول ما قيمته 100 مليون دولار فقط، وعام 2015 ما قيمته 35 مليون دولار، في حين حتى منتصف العام 2016 تلقت السلطة 15.5 مليون دولار أمريكي فقط.
وغالبية هذه الأموال تقدم لمساعدة السلطة الفلسطينية في سداد ديونها للمستشفيات وشراء الوقود وغيرها".
وليس سراً أن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية مرهونة بالضغوط والتنازلات السياسية التي تقدمها السلطة للاحتلال الإسرائيلي، كما أن المعونات الأمريكية المشروطة للسلطة الفلسطينية لا تخدم عملية التنمية وإصلاح الاقتصاد الفلسطيني، بل تقتصر على دفع فاتورة الرواتب، ودعم بعض منظمات المجتمع المدني.
ويرجع انخفاض المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة؛ لعدة عوامل، أهمها تراجع الدعم الأمريكي في ظل الأزمة المالية العالمية، إلى جانب الفساد الذي تعيشه مؤسسات السلطة الفلسطينية، وعدم الشفافية، وغياب الوضوح في نفقاتها، ما منح واشنطن فرصة لإعادة النظر في المساعدات التي تقدمها لها.
ويمكن الحديث عن عدة أسباب لتقنين الدعم المالي الأميركي للسلطة الفلسطينية في عهد ترامب:
أولاً: الضغط على السلطة للعودة للمفاوضات وفق الرؤية الإسرائيلية، حيث ستحاول الإدارة الأمريكية ابتزاز الجانب الفلسطيني في ظل تراجع مفاوضات التسوية مع "إسرائيل".
ثانياً: عدم وضع شروط مسبقة فيما يتعلق بأي عملية تفاوض أو مشاريع تسوية مستقبلية، حيث هرولت السلطة سريعاً وتنازلت لترامب حينما أعلن عباس رغبته في العمل على حل الدولتين مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
ثالثاً: حشر السلطة والفلسطينيين في الزاوية ودفعهم لتقديم المزيد من التنازلات للجانب الإسرائيلي.
رابعاً: الضغط على السلطة ومنعها من اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن على غرار ما جرى قبل شهر من تولي ترامب الرئاسة الأمريكية.