قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: مدرسة الحب

وسام عفيفة مدير مؤسسة الرسالة بغزة
وسام عفيفة مدير مؤسسة الرسالة بغزة

وسام عفيفة

الأذن تعشق الأصوات والكلمات العذبة، والمديح يفعل في السمع فعل السِّحر في القلب، فهو فن الثناء والإكبار والاحترام قام بين فنون الأدب مقام السجل الشعري لجوانب من حياتنا التاريخيّة؛ إذ رسم نواحي عديدة من أعمال الملوك، وسياسة الوزراء، وشجاعة القُوّاد، وثقافة العلماء.

ومن منا لا يحب سماع كلمات المديح والثناء، لكنها أحيانا تتضخم بغدد المبالغة اللغوية، فإذا بها تشبع غرورنا، وتكبّر رؤوسنا حتى تناطح السماء، أو تنفخنا حتى تطير بنا فوق السحاب.

وكما أن للمديح أهداف نبيلة كالحب والتقدير، فهو أيضا أحد سلع اللسان يبيعها بغرض التكسب أو الحصول على العطايا، أو ضمن طقوس الولاء للممدوحين.

ومع تقدم الزمان واتساع فنون المديح أصابه بعض من "الدهان"، ولم يعد يقتصر على بلاغة اللسان، بل انحدر حتى تشبه بــ"صاجات بين أصابع راقصة شرقية"، واختلط الامر علينا، فلم نعد نفرق بين المديح المحمود أو التملق المذموم، خصوصا إذا كان بغرض التقرب من صاحب منصب أو مسؤول للفوز بمكاسب شخصية، فنراهم يتسابقون بالإطراء والكلام المعسول.

ثم تعددت الأساليب والمذاهب، واستجد ما بات يعرف بفن "مسح الجوخ"، فهو المسح الذي له مفعول السحر المخدر للنفوس، مسح يؤتي أكله دون عناء، وهو فن قائم بذاته يجعل الصعاليك وجهاء، لا يحتاج لدراسة ومؤهلات وجامعات، فقط يحتاج للسان حاذق في انتقاء كلمات التزلف وهذا المسح مهنة من لا مهنة له وشهادة من لا شهادة له.

مهما يكن فلا يزال هناك مديح بريء، والسنة تؤدي فرائض الحب والتقدير، دون مراءاة وتبذير، كما ان آذان الكبار تفرق بين كلمات المحبة والتملق... مثل آذان العاشقين في مدرسة الحب، الذين قال فيهم بشار ابن برد قديما: يا قومِ أذني لِبْعضِ الحيِّ عاشقة، والأُذْنُ تَعْشَقُ قبل العَين أَحْيانا.

وهكذا ينتقل الكلام البريء الجميل من الأذن إلى القلب، وعلى رأي الشاعر بيرم التونسي:

القلب يعـشق كـل جميل.. وياما شفت جمال يا عين.. واللي صدق في الحب قليل.. وإن دام يدوم يوم .. ولا يومين.. والـلـي هـويته اليوم دايـم وصـــالــه دوم.. لا يعاتـب اللي يتـوب.

البث المباشر