قصص قصيرة جدًا ...

قصة
قصة

الرسالة نت

رشا فرحات

 

أثم قديم

لا اذكر بالضبط كيف أحضروه إلى حارتنا، كان جسده مسجى فوق خشبة مبتلة بالماء، وأطياف كلمات تلوح في ذاكرتي، لأحدهم، يقول أنهم انتشلوه وهو يحاول إغراق نفسه بين الأمواج، وأحضروه إلى أبناءه، كانوا يبحثون عنه منذ أيام.

وخفت يومها، والتصقت بأبي، كانت السماء مظلمة، أبي يقول أنها كانت نهاراً، لا أذكر، ولكن عيناه المحدقتان في المجهول لا تفارقان خيالي، وابنه الذي رفع جسده اذكر نظرته الباردة ودمعات حائرة سقطت من عيني ابنته على استحياء، كادت ألا تسقط.

ولجت إلى البيت، برفقة أبي، اشد على يده، واحمله بعضا من خوف، بعد أن قال المجتمعون فلنؤجل دفنه إلى الصباح، للنهار عيون، ودخلت إلى المنزل مع أبي، وحدقت من نافذتي بنوافذ بيتهم، لم تكن مضاءة، وتساءلت، أتراهم خلدوا إلى النوم، أترى كيف يكون نومه؟!!  ذلك الذي فقد أباه.

 

وجه الغياب

حليمة جارتنا، امرأة في الستين، تقطن في الحي القديم، مات زوجها منذ سنة، ومات ابنها منذ سنين، تحكي عن أحلامهم، وكأنهم معها في ذات الدار، يقطنون ولا نراهم، تخالجها دموع للحظات، وتسقط سهواً، دون أن تدري حليمة، تحكي عن وجع الوحدة، وعن لوعة القلب، وآلام المفارقين.

في بيتها صندوق قديم، تخفي به أوراق مغبرة، ومفاتيح قديمة، قالت أنها أملاك للغائبين، وهي على عتبات الدار، تنتظر عودة محملة بنسائم الشوق، تطفي نيران الصدر الحزين.

جارتنا بيضاء البشرة، حمراء الخدين، بهية الطلة، تبتسم في وجهك دوما، مشرقة النظرة، وكأنها ابنة العشرين، أتراها كيف ظلت ابنة العشرين؟!!!

 

وعد متأخر

كنت أراها دوما من نافذة شرفتي، منذ سنوات، بملابس المدرسة المخططة، ابتسم فرحاً، واختال برشاقة، وأحلامي مريولها المخطط، ودفترها، وحقيبتها المتهرئة، لم تكن أكثر، كانت بهية الطلة، خضراء العينين، والدها يعمل أستاذاً في ذات المدرسة، ألذلك وافق على دخولها المدرسة؟!

أبي لم يوافق، وأمي كعادتها لم تجادل، هل كان لها أن تجادل؟! ولم يكن لي عينان خضراوان، ولا شعر أملس، ولا طلة بهية كطلتها، أمي تتقول: سيأتي عدلك، وستتزوجين، وتحبلين بأطفال كثر، وستنسين المدرسة، مالك والمدرسة.

رأيتها أيضا بالأمس، كانت تحمل حقيبة، من ذات النافذة، تجر وراءها طفلين، وترتدي غطاء رأس ملون، وترفع هامة ممشوقة وتسير، توزع ابتسامتها بين الطفلين، ابتسمت أيضاً، أقفلت النافذة على عجل، ركضت إلى مرآتي، حدقت أكثر، وتلمست بضع شعيرات بيضاء، خطت مكانها في ذلك الشعر الأجعد، وخطوط سوداء اختارت مكانها بعناية أسفل العينين، فزادت الوجه شحوباً، تذكرت وعود أمي، وعود أمي تأخرت.

البث المباشر