قصص قصيرة جداً

بقلم: رشا فرحات

أقدار

تسكن قريبة من مصدر الخطر، سهرتها معه كانت طويلة هذه الليلة، ليلة هواءها عليل، وسماءها صافية يحلو بها السهر، يرقد في حضنها مثل الزهرة البريئة الساكنة، تستجديه أن يغفوا حتى ترقد هي فتريح جسدها من عناء هذا اليوم الطويل، لكن النظر إلى وجهه الصبوح يزيد من رغبتها في الجلوس، يعارك ، يضحك ، يدفع قدميه لينزل من حضنها الدافئ ويذهب لمعاودة اللعب ، يركض مسرعا خارجا إلى حيث تخاف هي، الأصوات تعلو في الخارج، تركض وراءه بوجل، لتبعده عن مصدر الخطر، ركضت باتجاه الباب،  تنادي بأعلى صوتها، تعد أصوات القنابل الساقطة ، واحدة اثنتان، تنادي على طفلها النداء الأخير، ثلاثة، أربعة، سقطت الأخيرة، ترحل هي، و يبقى هو ...

عنوسة

عروس تلبس ثوبها الأبيض، لم اعد ارغب بحضور الأعراس، مضحكة في ثوبها اللامع، فتيات يلبسن ثيابا ملونة، جميلة تلك الملابس، صديقتي تحمل في يدها طفلها الثالث، تنادي علي لأجلس معهن على تلك الطاولة، لم أراهن منذ زمن، كبرت كثيرا، تلك تحمل في بطنها مولدوها الرابع، وتلك ستصطحب ابنها غدا إلى المدرسة، وتلك تنظر إلي بنظرة استفهام، وأنا انظر للعروس التي تتمايل بسعادة في منتصف الحاضرات، ليست أجمل مني، أقارن بينها وبيني، لا أرى ما يميزها، احمل حقيبتي لأخرج في محاولة للهرب، على الباب ارسم ابتسامة على وجهي، أغير رأيي ثم أعود إلى حيث تجلس رفيقاتي، لا يهم .. لم يأت النصيب بعد..

واسطة

احزم حقائبي واذهب إلى المعبر، انه اليوم السابع، وهذه هي المرة السابعة التي احضر بها إلى هنا، ألآم لا تطاق تعصف بي، لقد أجلت فصلي الدراسي للمرة الثانية، على أمل الخروج، لقد حددت موعدا مع الطبيب لإجراء العملية للمرة الثالثة ولا أمل في الخروج، لقد تأجلت جراحتي لأكثر من سنة، لو استطيع أن اصف لذلك الشرطي حجم الألم الذي يعتريني كل ليلة، لعله يرأف بحالي فيسمح لي بالصعود في هذه الحافلة، لم اعد أطيق، وألم الانتظار أصعب من أوجاع المرض، فتحت البوابة، يبدو أن دوري قد اقترب.  انه صديقي احمد، اجل لقد قال انه سيذهب في رحلة للتنزه في مصر هذا العام، احسده، انه موظف كبير وله راتب اكبر ومن حقه أن يذهب مرتين إلى مصر في نفس العام، اردد" لا جود إلا من الموجود" .  ينادي الشرطي على أسمي، الحمد لله يبدو انه قد جاء دوري، أخيرا, أصعد الحافلة، فجأة ..يخبرني الشرطي أن هناك خطأ في ترتيب الأسماء، لا أفهم ، ركب احمد ونزلت أنا!!

كلام

طفل ممدد في منتصف الشارع، وخمسة أطفال يجتمعون فوقه بلكماتهم الموجعة،  تصرخ أمه، أغيثوا ابني، أنقذوه، لقد ضربوه، اجتمعوا عليه الأطفال، أنقذوني، جمهور من المشاهدين يراقب المشهد عن كثب، ابني يصرخ في وجهي:" فلنساعد الولد يا ماما" اسحبه من طرف معطفه واركض، لا دخل لنا فيما لا يعنينا، يركض ابني باتجاه الطفل، يضرب المجتمعين بيديه الصغيرتين، يسقط على الأرض، احمله واركض، دمائه تسيل على وجهه، امسحها بطرف يدي، وأبدأ بإلقاء نصائحي: ألم اقل لك ، لا دخل لنا فيما لا يعنينا، يصرخ في وجهي: لقد اجتمعوا عليه جميعهم، وهو طفل ضعيف، انه مظلوم، الم تقولي لي البارحة أننا يجب أن نغيث المظلوم، اسكت، لا اعرف الرد، بينما طفلي يردد ما قلته له بالأمس ...

مهندس

بحركات رشيقة فتح باب السيارة، انه سائق متمرس في مهنته، ومحترم، لا تظهر عليه معالم المهنة كما ينبغي، فأنا أرى سائقي السيارات دوما بهالة مميزة، فهي مهنة الإعياء بلا منافس، اركب معه بكل راحة وثقة، فعلى ما هو باد على محياه انه ابن أسرة محترمة، وحديثه اللبق، يدل على الاحترام والوعي..

بعد أيام..طلبت ذات السائق من ذات المكتب،اخبرني رجل الهاتف انه قد بدأ يعمل في شركة أجنبية، لقد وفقه الله إذن، في طريقي زدت في استفهامي عن أحواله، بدأ السائق حديثه في نبرة يملأها الحسد" عقبال عندك، استلم وظيفة بألفين دولار في مؤسسة NGO"..  لماذا: ما هو طبيعة العمل..جاءني الرد بسيطا ساذجا، مهندس، وأنا التفت إلى الناحية الأخرى، وبلهجة اعتيادية، لقد كان مهندساً إذن.

البث المباشر