قائد الطوفان قائد الطوفان

ماذا يريد أبو مازن من غزة؟

 رئيس السلطة محمود عباس
رئيس السلطة محمود عباس

الرسالة نت-شيماء مرزوق

فُتحت أبواب البيت الأبيض فجأة أمام رئيس السلطة محمود عباس بعدما ظل عدة شهور يعاني من تجاهل متعمد من إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب الذي رفض مجرد الرد على بطاقة التهنئة التي أرسلها له أبو مازن عقب فوزه في الانتخابات، وبدأ اليأس والخوف يسيطران على الرجل الثمانيني وحاشيته من انحياز أميركي غير مسبوق مع الرؤى الإسرائيلية ورفض التعامل مع السلطة.

واللافت أن الموقف الأمريكي تبدل دون مقدمات من السلطة ورئيسها عندما هاتف ترمب عباس ووجه له دعوة لزيارة البيت الأبيض، إلى جانب عدة زيارات قام بها مبعوثه للشرق الأوسط.

تفسيرات هذا الموقف جاءت سريعاً من خلال إعلان أبو مازن إجراءات غير مسبوقة اتجاه غزة لإعادتها إلى حضن "الشرعية"، فلا يمكن الفصل بين الخطوات السياسية التي توجت في قمة العقبة الأخيرة وبين الحرب المعلنة على القطاع، وهو ما يطرح تساؤل مهم ماذا يريد أبو مازن من غزة؟

ويمكن القول إن عباس يحاول استعادة غزة حالياً، لاعتبارات عدة:

الأول/ سياسياً: عشر سنوات من الانقسام وتفرد عباس بالضفة الغربية، إلى جانب تعنت الاحتلال الإسرائيلي في موقفه الرافض لعملية التسوية واستمراره في تغيير معالم الضفة الغربية من خلال الاستيطان وفرض سياسة الأمر الواقع عليه، جعلت أبو مازن يدرك باستحالة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية.

وبات الرئيس العجوز يدرك أن أي حديث عن تسوية كما هو جاري اليوم والدخول في حلول سياسية يتطلب بالضرورة فرض سيطرته على قطاع غزة، وهي المنطقة الجغرافية الوحيدة التي يمكن أن تكون انطلاقة لدولة فلسطينية على غرار ما جرى في اتفاق أوسلو الذي بدأ بما عرف باتفاق "غزة أريحا أولاً".

عدم سيطرته على غزة بقي سؤال محرج يواجه عباس في العشر سنوات الأخيرة في كل مرة كان يطرح فيها مشروع تسوية، والمختلف هذه المرة هو جدية الأطراف الدولية والإقليمية في عقد صفقة شاملة تبدأ بالقضية الفلسطينية، لذا فإن قراره هذه المرة كان بضرورة استعادة غزة من خلال الضغط المالي والاقتصادي والسياسي على حركة حماس لتسليم "الجمل بما حمل".

الثاني/ تنظيمياً: الإشكاليات التي تواجه الرئيس عباس لا تكمن فقط في عدم سيطرته على غزة، وإنما في تأييد جزء كبير من عناصر وكوادر حركة فتح في غزة لخصمه اللدود محمد دحلان، حيث يعتقد عباس أن غزة تشكل القاعدة التنظيمية والشعبية الأكبر لدحلان والتي يستند عليها لطرح نفسه كبديل عن عباس.

ويعتقد عباس أن استعادة غزة والسيطرة على حركة فتح فيها ستعيد له هيبته وقوته أمام الدول العربية التي باتت تدعم دحلان كخليفة لعباس وحاولت عدة مرات محاصرته والضغط عليه لإعادة دحلان للمشهد السياسي الفلسطيني.

وربما يرى عباس في استعادة غزة خطوة مهمة لقطع الطريق على دحلان الذي يتباهى بثقله التنظيمي في غزة.

الثالث/ مالياً: تمثل غزة سوقا استهلاكية مهمة وموردا ماليا كبيرا لخزينة السلطة التي تجبي ما يقارب 100 مليون دولار شهرياً كضرائب على البضائع التي تدخل القطاع عبر كرم أبو سالم المعبر الوحيد الذي تورد منه البضائع للقطاع، ذلك إلى جانب الضرائب التي تجنيها من كبرى البنوك والشركات العاملة في القطاع.

من ناحية أخرى فإن الحروب الثلاثة التي خاضها قطاع غزة استثمرتها السلطة الفلسطينية في تغذية خزينتها من خلال الدعم المالي الكبير الذي تلقته بحجة دعم القطاع وإعادة الاعمار، حيث أن مؤتمر المانحين في القاهرة الذي عقد في سبتمبر 2014 والذي تعهد بدفع مبلغ 5.4 مليار دولار وجه نصف هذا المبلغ لدعم خزينة السلطة، وهو ما وفر لها موردا ماليا مهما.

ولا يخفى على أحد أن السلطة استطاعت استغلال غزة كمنطقة منكوبة لجلب المزيد من المساعدات من الدول المانحة بحجة ما تدفعه وتقدمه لغزة التي عانت من ويلات الحروب.

الرابع/ الشرعية: استعادة قطاع غزة لحضن "الشرعية" كما يسميها عباس وأنصاره سيدعم موقف الرئيس العجوز الذي بدا في السنوات الأخيرة أنه فقد الكثير من شرعيته السياسية والتنظيمية، وظهر وكأنه بدأ يفقد أوراق قوته خاصة من خلال الضغوط العربية والإقليمية التي مورست عليه لفرض دحلان كخليفة له، حيث راج في حينه أنه في أيامه الأخيرة وفقد شرعيته الدولية.

ويمكن له من خلال استعادة غزة الظهور كرئيس قوي صاحب شرعية فلسطينية وإقليمية ودولية ما يمنحه القوة أمام العالم وفي أي مفاوضات أو خطة تسوية قادمة.

البث المباشر