قاد خالد مشعل المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس بمهارة عالية خلال العقدين الأخيرين، وذلك رغم الأحداث العاصفة التي ألقت بثقلها على الحركة باعتبارها رائدة مشروع المقاومة في فلسطين، وانعكست على صعيدها الداخلي وعلى البيئة الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية.
فعلى المستوى الداخلي للحركة، عاشت حماس حقبة قاسية مع بداية إنشاء سلطة الحكم الذاتي مطلع عقد التسعينات، إذ لاقت قيادات الحركة وقتها صنوفًا شتى من المطاردة والملاحقة والاعتقال على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية آنذاك.
لكن الالتفاف الشعبي حول الحركة أجبر قادة السلطة حينها على تخفيف انتهاكاتهم وحملاتهم المسعورة بحق حماس، لتعيش الحركة بعدها تحت مطرقة الاغتيالات "الاسرائيلية" بحق قياداتها، ليرتقي خلال فترة رئاسة "خالد مشعل" زعيم الحركة الشيخ أحمد ياسين وعدد كبير من القيادات الوازنة، لاسيما د. عبد العزيز الرنتيسي، والمهندس إسماعيل أبو شنب ود. إبراهيم المقادمة، وجمال منصور وجمال سليم وعشرات القادة الميدانيين.
وعلى المستوى الاقليمي، فقد عصفت متغيرات لم تكن بحسبان حماس فيما عرف بالربيع العربي، حيث اضطرت الحركة خلال فترة رئاسة مشعل لمكتبها السياسي أن تنحاز لمبادئها على حساب مصالحها، مما أفضى لتراجع علاقتها مع دول احتضنتها لفترة طويلة، ومس قدرتها على مواجهة الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة.
ومع بداية العقد الثاني لرئاسة خالد مشعل للمكتب السياسي، خاضت حركة حماس الانتخابات المحلية الفلسطينية، واكتسحت الحركة الأصوات الانتخابية، وفازت بأغلبية واسعة، وسرعان ما تربص بها وبحكومتها الاحتلال والسلطة للإطاحة بها إلى أن اضطرت إلى خطوة الحسم العسكري في قطاع غزة.
واستمرت الظروف القاهرة التي شهدها العقد الثاني لفترة مشعل، وعاشت حماس حصاراً إسرائيلياً في قطاع غزة تخلله ثلاثة حروب طاحنة، ونهضت الحركة منها أقوى من سابقها، متسلحة بصلابة ذراعها العسكري كتائب القسام.
وتمثل الأحداث السابقة، أبرز ما واجهته حركة حماس خلال العقدين الماضيين، حيث اختتم مشعل مسيرته في قيادة المكتب السياسي للحركة يوم السبت الماضي بإعلان فوز إسماعيل هنية برئاسة المكتب السياسي، وأنه بات عضواً في مجلس الشورى الحركة.
ويثني القيادي في حركة حماس إسماعيل رضوان على الدور البارز الذي قام به مشعل على صعيد النهوض بحركة حماس، وقيادتها لتجاوز الأزمات التي عصفت بها والخروج منها بقوة.
ويوضح رضوان "للرسالة" ، أن مشعل استطاع أن يرتقي بالأداء التنظيمي والإداري والمالي داخل الحركة، والحفاظ على تماسك ورسوخ الحركة في الداخل والخارج وبالسجون "الإسرائيلية".
وأكد أن الحركة خلال فترة مشعل استطاعت أن تقيم علاقات مع دول عربية وإقليمية من أجل المحافظة على الثوابت وإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة على الأصعدة كافة، ولم يقبل أن يتم المساس بالمقاومة أو التنازل عنها أو حتى التنازل عن أي من الثوابت الوطنية.
بدوره، قال د. حسام الدجني المحلل السياسي إن حركة حماس خلال فترة تولي خالد مشعل لرئاسة المكتب السياسي، شهدت إنجازات كبيرة، حيث أصحبت حركة مؤسساتية تمتلك جيشاً أشبه بالجيوش النظامية، وبذلك زادت من قوة فعل المقاومة والعمل المؤسسي.
وأضاف الدجني "رسخت حماس الديمقراطية بشكلٍ كبير بقيادة مشعل، بحيث يسجل له أنه آثر التنازل عن المنصب الأبرز فيها، ليمنحه إلى اسماعيل هينة بعملية انتخابية نزيهة، وعلى الإطار الوطني والسياسي يسجل لحماس بقيادة مشعل أنها فازت بأغلبية في انتخابات 2006".
وعلى الصعيد المقاومة والثوابت الوطنية، يوضح د. الدجني أن حماس بقيادة مشعل أصبحت رائدة المشروع المقاوم، وارتقت خلال العقدين الماضيين بذراعها العسكري ليصبح قادراً على فرض المعادلات ومواجهة الوحشية "الاسرائيلية".
وعلى المستوى الدولي يؤكد الدجني على أن حركة حماس استطاعت حماس أن توازن بين المحافظة على علاقاتها مع الدول الصديقة وفتح آفاق مع دول أخرى مع عدم التنازل عن الثوابت، ويسجل لحماس احترامها لآراء الشعوب وعدم مساندة الحكومات خلال عاصفة الثورات العربية الأخيرة.
ويبين الدجني بأن مشعل اختتم مسيرة قيادة المكتب السياسي بوثيقة سياسية جديدة لحركة حماس ستساهم برسم خارطة طريق أمام الرئيس الجديد للمكتب إسماعيل هنية، موضحاً أن الشورى التي تتبعها الحركة في اتخاذ قراراتها الهامة ستساعد هنية في مواصلة النهوض بها.