"حي السلاطين" البقعة التي يقطنها ملوك البحر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

غزة-محمد شاهين

قلما تجد فتى اشتد عضده حديثاً أو شاباً أو عجوزاً يقطن حي السلاطين الواقع شمال غرب مدينة بيت لاهيا، دون أن يكون خبيراً في حالة البحر ويدرك تفاصيله الصعبة ويحترف مهاراته الشاقة لمهنة صيد الأسماك.

بمنطقة مرتفعة قليلاً عن سطح البحر تطل على شاطئه الذي تصفو مياهه، حط الحاج سلطان قبل ما يزيد عن أربعة قرون رحاله فيها، ليؤسس أقدم حي في تلك المنطقة التي ما تزال تحتفظ بمعالمها القديمة والمتواضعة وتعكس مدى بساطة أهلها الذين اشتهروا بالكرم وحسن الضيافة.

حين تقرر زيارة الحي الذي تمتلئ شوارعه بمعدات الصيد الأسماك المختلفة، تجد نفسك أمام المسجد القديم الذي قد يصنف من ضمن الآثار والمورثات عن الأجداد كونه شيد مع تأسيس الحي على يد الحاج سلطان وأخيه زايد.

قبل أن تغرق الشمس بمياه البحر بقليل تجولت "الرسالة" بحي السلطان، لتبدأ بالنبش على تاريخ هذا الحي الذي يمثل قبلة السكان لشراء الأسماك الطازجة في شمال مدينة غزة، حيث يقصده كل من أراد أن يحصل على أسماك ليست مغشوشة وبأسعار مناسبة كون أهلها لم يرثوا طرق الخداع من أجدادهم الصيادين.

لم نغلب كثيراً في الوصول إلى المعلومات السابقة عن الحي القديم،  ما إن قطعنا منتصف الشارع الرئيس فيه، حتى حللنا في ضيافة الحاج "اسماعيل زايد" الذي منحنا فرصة التعرف على المكان الذي عاش فيه طيلة أعوامه السبعين، وأسس عائلة مكونة من تسعة أبناء جميعهم ورثوا عنه مهنة صيد الأسماك ويتخذون منها مصدراً أساسياً لقوت أطفالهم.

 يحدثنا الحاج اسماعيل "أبنائي وأبناء إخوتي العشرة جميعهم يعملون في صيد الأسماك بالمنطقة البحرية الحدودية مع "الاحتلال الاسرائيلي"، لعدة أسباب رئيسة أبرزها إننا لا نعترف بهذه الحدود الزائلة ونقترب من آخر منطقة نستطيع الدخول إليها كون شاطئ فلسطين كله لنا من رأس الناقورة حتى رفح، أما الأسباب الأخرى فإننا نتجنب الاحتكاك بباقي الصيادين الذي لا يقطنوا في نفس هذا الحي ونترك لهم متسعاً من الرزق".

ويصف السبعيني حي السلاطين بالمكان الذي يتنفس البحر كون العائلتان الرئيستان اللتان تقطنان فيه وهما (سلطان وزايد) تعتمدان على صيد الأسماك في مصدر رزقهما، بحيث لا يخلو يوم دون أن تصارع أفرادها الأمواج لنصب شباك الصيد وجمعها في اليوم الذي يتلوه.

ومع حلول الظلام عاد اثنان من أبناء الحاج اسماعيل إلى حديقة المنزل التي توسطنا الجلوس بها، ليدور حديث بينهم بدأه الحاج بسؤاله-كلكم بخير ما صار طخوا عليكم"؟-، يجيب أحد الأبناء بعد أن حمد الله -" لم يطخوا اليهود ونصبنا غزلين ورجعنا بسرعة"، بنهاية الحديث الذي لم يطل كثيراً يشكر السبعيني الله ويدعو بالرزق".

لا يخفي علينا الثلاثيني "أحمد زايد" بأنه نجى من الموت بأعجوبة بعد أن أصابته زوارق الإسرائيلية بثلاث رصاصات في بطنه رغم أنه لم يتجاوز الحد المسموح به في الصيد صيف العام الماضي، وبرغم ذلك يبين أنه قبل أن يتماثل للشفاء بشكلِ تام عاد ليمارس مهنة الصيد التي تعود عليه بقوت أطفاله.

ويقطن في حي السلاطين قرابة الثلاثة آلاف نسمة معظمهم من عائلتي زايد والسلطان ويعتمدون على مهنة الصيد بشكل أساسي في رزقهم، ويوجد في الحي متنزه ومسجد ومدرسة وينتظر أن يتم تحسين بنيته التحتية بعد أن تسبب الاحتلال في هدمها لأكثر من مرة كان آخرها خلال عدوان 2008 حيث اجتاحت الآليات الإسرائيلية شوارع الحي وخربت معظم بنياته.

البث المباشر