تآكل شرعية عباس وغياب "الكوابح الوطنية" تقود إلى 3 مزالق خطيرة

​غزة- مراسلنا

يرتّب الرئيس محمود عباس أوراقه حالياً لبدء جولة تسوية جديدة مع الإسرائيليين، يخطط لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد أن ينتهي من مهمة التطبيع بين (إسرائيل) والدول العربية.

وفي غمرة الانشغال والترقّب لشكّل الخطّة التي يحضّرها ترامب لإنجاز ما روّج لها بأنها "صفقة القرن"، ومزاحمة الملفات الفلسطينية الداخلية، تاهت في ثنايا ذلك شرعية أبو مازن، المتآكلة، والمتقادمة من غير رؤية أو تفكير فلسطيني بخيارات التجديد.

شرعية يتيمة هي كل ما بات يمتلكها أبو مازن بعد 12 عاما في الرئاسة، هي شرعية الإقليم، وما دونها فهي في حكم المنتهية، بموجب القانون الفلسطيني، الذي تمّ تجاوزه تحت دعوى ومظلّة الاستثناءات والضرورات التي أباحها الانقسام.

عمليا، يعتبر أبو مازن رئيسا منتهي الصلاحية منذ عام 2009، وفاقدا أيضا لشرعية التوافق الوطني؛ بسبب انتفاء حالة التوافق، وامتلاكه مفاتيح دخول منظمة التحرير المانحة لهذه الشرعية، يمنع بموجبه منح "أحزاب الرأي الآخر" حق التنافس والانتخاب في مجلسها الوطني.

فالمجلس الوطني، وفق الكاتب السياسي ماجد الكيالي أثناء حلقة نقاش لمركز (مسارات) للأبحاث، لم يعقد اجتماعًا منذ أكثر من 20 عامًا، بينما حلت السلطة محل المنظمة، ومحل حركة التحرر.

المشهد بعد عقد من الانقسام، هو أننا أمام شرعيات متآكلة، والأخطر من ذلك هو قبول الحالة الفلسطينية، بإرادة منها أو بغير إرادة، لهذا الوضع؛ تضعنا أمام ثلاثة مزالق خطيرة مترتّبة على تقادم شرعية أبو مازن، هي على النحو التالي:

أولا: جرّ الشعب الفلسطيني إلى مشروع سياسي كبير يجري الإعداد له في العواصم الغربية والعربية يستهدف القضية الفلسطينية، دون كوابح وطنية، أو مراجعات ومسائلات عن سلامة المسار الوطني. فالحاصل اليوم أن الحالة الفلسطينية تجهل تفاصيل ما يجري التخطيط له، وأصبحت على ما يبدو، من فرط التنازلات، في وضع عدم اكتراث لخطورة القادم، وهذا بحد ذاته وضع فلسطيني لا يدعو إلى الاطمئنان؛ لأننا أمام تراجع خطير للمجتمع الفلسطيني والرأي العام فيه والبيئة الداخلية، فيما يتعلق بالموقف من القضايا الوطنية.

ثانيا: تأجيج أزمة الانقسام، على ضوء التفرّد بالقرار، في الوقت الذي كان من المفترض أن يمارس فيه أبو مازن -إن كان يعتبر نفسه رئيسا للفلسطينيين- دور "إطفائي الحريق" في البيت الداخلي، بدلا من معاقبة ساكنيه "بخطوات غير مسبوقة"، في الوقت الذي تتجه فيه كذلك كل أصابع الاتهام إليه في تعطيل المصالحة، والوحدة الوطنية، نزولا عند مصالح خاصة، وحفاظا على مكاسب شخصية، وعائلية.

وبالتالي، استبعاد أي فرص حقيقية لإنهاء الانقسام، في ظل القبول بترك الرئيس يهرم في موقعه؛ لأن التجارب أثبتت أن الانتخابات وحدها لا تنهي الانقسام، دون توفّر إرادة عليا، وقبول بالتسليم.

ثالثا: تشويه ما يمكن وصفه بـ "المستقبل الأمني" للشعب الفلسطيني، من خلال استمرار أبو مازن في التنسيق الأمني مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بدعوى "محاربة الإرهاب"، والخطورة المترتبة على تسرّب هذا "الفعل الفاضح" إلى الوعي الجمعي الفلسطيني، وما يتبع ذلك من تأثير على صورة "الثائر الفلسطيني"، في الخارج.

والمفارقة، أنه في الوقت الذي يبدو فيه أبو مازن مزهوّا بإبداء استعداده للمشاركة والانضمام إلى الحلف الإسلامي الأمريكي "ضد الإرهاب"، نجده متصالحا مع "الإرهاب الإسرائيلي"، المتفوّق في جُرمه ضد الفلسطينيين، على إرهاب المنطقة.

مجمل القول إن ما أشار إليه الكيالي، بقوله إن "المأزق ينذر بضياع القضية الفلسطينية، ويوجب تضافر الجهود؛ من أجل تشكيل الرؤية الوطنية الجامعة، وإعادة بناء الكيانات الفلسطينية، والخروج من دائرة التفكير الفصائلي والحزبي "الضيقة"، والانتقال إلى دائرة التفكير الوطني الجمعي". في مسعى إصلاح ما يمكن إصلاحه في جسم الحركة الوطنية الفلسطينية، وصولا إلى هدف مرحلي أعلى: تغيير القيادة.

البث المباشر