لم تنبس السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس ببنت شفة إزاء الأزمة الخليجية، نقيض حركة "فتح" التي بات التشفي واضحًا على المتحدثين باسمها في قطر على خلفية علاقة الدوحة مع غريمتها السياسية حركة "حماس" واستغلال الحادثة للتحريض على الأخيرة عربيًا.
صمت السلطة المفاجئ تجاه الحدث يبدو غريبًا واستثنائيًا، مقارنة بقضايا إقليمية لم تخف انحيازها واصطفت سياسيًا إلى أحد أطرافها، كما كان الحال مع أحداث الربيع العربي والأوضاع الداخلية في أكثر من بلد عربي.
وتبرز الأسباب الشخصية في طليعة التفسيرات لصمت أبو مازن تجاه الأزمة الخليجية، والتي وضعته في موقف حرج، وسرعان ما دفعته لإعلان نفسه كوسيط لحل الأزمة، رغم إدراك ضعف تأثيره السياسي على الأطراف، الا انه وفق تقديرات سياسية حاول "النفاد بجلده" من مرحلة الاصطفافات الجبرية التي قد تدفعه مرغمًا لاتخاذ موقف من طرف دون الآخر.
وبحسب السفير القطري محمد العمادي، فإن أبو مازن يملك وعائلته التي تقيم في الدوحة الجنسية القطرية، وفق ما صرح خلال لقاء جمعه بالصحفيين في مدينة غزة، حيث كان معدّ التقرير واحداً منهم.
وتشكل قطر مقرًا لـمملكة الرئيس الاقتصادية، فكبرى شركاته "الدوحة" تملك صفقات بملايين الدولارات في مجالات مختلفة مع الدولة القطرية. وحصلت الشركة على مناقصات من شركات لسفراء ووزراء في الدوحة تقدر بملايين الدولارات أيضًا، كان منها صفقة عقدت قبل سبعة سنوات مع شخصية رفيعة المستوى بالدوحة.
وبحسب القانون القطري، فإن أبناء الرئيس وأحفاده مطالبين بخدمة التجنيد الإجباري، و"بعضهم خدم فيها" وفق مصادر قطرية لـ "الرسالة".
ويضاف إلى جانب الاعتبارات الشخصية للرئيس عباس، الالتزام القطري بدعم موازنة السلطة السنوية، مقارنة بالتزام الأطراف الأخرى التي تأخرت لأشهر طويلة، وصلت في بعض الأحيان إلى حد التجميد على خلفية مواقف سياسية.
وكانت السلطة قد اشتكت في شهر أكتوبر الماضي، من تجميد المملكة السعودية لـ 120 مليون دولار من مستحقاتها المالية.
وعزت السلطة الموقف السعودي آنذاك، لرغبة المملكة -باعتبارها أحد أطراف الرباعية العربية-الضغط على أبو مازن للاستجابة لـطلب المصالحة مع غريمه السياسي محمد دحلان.
ولهذا السبب كذلك، يميل الرئيس إلى الدوحة، باعتبارها لا تفضل غريمه دحلان، ولا تدفع به خليفة له أو بديلا عنه، عكس أطراف الأزمة الأخرى التي دفعت بـاتجاه وجوده بديلا عن أبو مازن، وفق ما أعلن الأخير في اجتماعه مع المجلس الثوري.
وكانت أطراف الرباعية العربية التي تضم خصوم الدوحة، وهي "السعودية - الإمارات-مصر" قد دفعت باتجاه المصالحة بين عباس ودحلان، الخطوة التي وجد فيها الأول محاولة عربية للتخلص منه.
وفي موازاة ذلك، يدرك عباس أن ثمن اصطفافاته السياسية في الازمة مكلف للغاية، فلحظة انحيازه للمملكة، سيكون ذلك على حساب تعزيز العلاقة بين الدوحة وحركة "حماس" إضافة الى تأثير ذلك على مملكته الاقتصادية التي تشكل الدوحة مستقرا لها.
وفي حال اصطفّ الى جانب الدوحة التي أعلن أكثر من مرة أنها احتضنت عمله الوظيفي كمدير لشؤون الموظفين في وزارة التعليم في قطر، فسيجد موقفًا متصلبًا من الرباعية تجاهه بما يدفع نحو تعزيز العلاقة مع خصمه دحلان الذي لا يزال مطروحًا على طاولتها كبديل أو خليفة له.
وانطلاقًا من أن جميع خيارات أبو مازن أحلاها مر، فيبدو أن الصمت هو الخيار الأكثر أمانًا وسلامة للرجل من الاصطفاف لطرف على حساب الآخر، فيما ترك لحركته وإعلامها أن تكشف عن سريرته من خلال تشفيها بقطر والاحتفاء بموقف الدول المقاطعة منها.