تتردد والدة الطفل فؤاد عودة ذو العامين على مستشفى الرنتيسي بغزة علها تجد له الدواء الشافي، فهو يحصل على بعض المحاليل الطبية والمسكنات، ومن ثم يعود إلى بيته منتظراً تحويلة طبية إلى مستشفيات الضفة المحتلة بسبب ولادته ببطن منتفخ تبين فيما بعد معاناته من سرطان الأمعاء.
وقد حاول ذوو الطفل عدة مرات الحصول على تحويلة طبية سواء إلى المستشفيات الاسرائيلية أو في الضفة المحتلة التي تختص في متابعة حالته دون جدوى رغم أنهم تمكنوا من السفر مرتين لعلاجه بينما الثالثة أبلغوا بمنعهم أمنياً، الأمر الذي صدمهم.
تقول والدة الطفل عودة: "بعد معاناة أنجبت طفلي، وحينما أصبح بين يدي جاء مريضا ولا أعترض على حكم الله، لكن طالما هناك أمل لشفائه أرجو علاجه ليكون كبقية الأطفال"، مشيرة إلى أنها تخشى فقدان طفلها كبقية الأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن وهن ينتظرن الحصول على تحويلة طبية.
ليس الطفل "فؤاد" وحده من ينتظر تحويله طبية، فهناك نحو 1500 لـ 2000 حالة لاتزال تنتظر رد دائرة الخدمة في رام الله المسئولة عن إقرار التحويلة المالية، فيما قضى 11 مريضاً في قطاع غزة وهم قيد الانتظار، منهم شاب وطفلان مؤخرا، عدا عن أن أكثر من 42% من الأدوية غير موجودة في مخازن وزارة الصحة.
هنا حكاية معاناة أخرى، للشابة إسراء سلمان - 22 عاما- التي اكتشفت قبل ثلاثة شهور بوجود خلل في غدتها الأمر الذي استدعى تحويلها إلى "إسرائيل" لإجراء عملية لها، فتم علاجها باليود المشع واستئصال الورم، لكنها اكتشفت بعد عودتها وسعيها للتقدم بتحويلة أخرى للمراجعة عدم استئصال الورم كاملاً، وذلك عند قيامها بعمل فحوصات جديدة لتعرضها على الطبيب هناك.
تقول "سلمان" "للرسالة" وهي أم لطفلين، أنها صدمت لما أبرزته التحاليل خاصة وأنها كانت مطمئنة كون من أجرى العملية رئيس القسم ويشهد له بالمهارة.
ولاتزال تنتظر "سلمان" موافقة السلطة للحصول على تحويلة طبية رغم حالتها التي باتت تتدهور يوما بعد اخر، وأكثر ما يؤلمها أن الاجابة المتكررة بالرفض دوما تأتيها.
وذات المعاناة تتجرعها فاطمة الديب والدة الطفلة "شيماء" التي لم تتجاوز خمسة أعوام وتعاني من اضطراب التوحد، حيث ناشدت وزارة الصحة والشؤون المدينة وكذلك رئيس السلطة محمود عباس للسماح لهم بالسفر لعلاج طفلتها وإعادة تأهيلها كون لا علاج لها في قطاع غزة.
وتخشى الأم أن يتدهور وضع ابنتها أكثر كون الاضطراب لديها من الدرجة الشديدة، مضيفة بشيء من مرارة أن ابنتها "لا تفهم للسياسة لغة"، متمنية من رئيس السلطة أن يساعدها في معالجة ابنتها وتحويلها لمستشفى تخصصي.
ورغم أن العشرات من المرضى ارتقوا إلى السماء، بسبب تأخر تحويلاتهم الطبية، حيث تتعمد سلطة رام الله ذلك وفق ما تبوح به شخصيات مقربة منها، عدا عن إقدامهم على ذلك من باب التضييق على حركة حماس في قطاع غزة.
وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن السلطة الفلسطينية أوقفت التحويلات المرضية من قطاع غزة الى "إسرائيل" أو الضفة وحتى الاردن. ونقلت "هآرتس" عن عدة منظمات صحية وانسانية فلسطينية قولها، ان وزارة الصحة برام الله اوقفت أكثر من 3500 حالة مرضية كان من المفترض أن تسافر لتلقي العلاج بالخارج، تحديدا في المشافي الإسرائيلية.
يُشار إلى أن المتحدث باسم الصحة في قطاع غزة أشرف القدرة أكد أن هناك المئات من التحويلات الطبية تم إرسالها مؤخرًا للوزارة في رام الله للموافقة عليها لسفرها للعلاج، إلا أنه لم يتم التوقيع عليها، دون إبداء أي أسباب.
وأكد القدرة في تصريحات سابقة، أن حياة مئات المرضى باتت مهددة بالموت جراء عدم استجابة الوزارة في رام الله لسفر مرضى السرطان في غزة للعلاج في الضفة الغربية والداخل المحتل.
ووفق مصادر طبية، فإنه بعد ضغوط دولية من المقرر أن تستأنف السلطة إصدار التحويلات الطبية للعلاج في "إسرائيل" لسكان قطاع غزة منذ أمس الأحد، لكن لم يحدث ذلك.
وتجدر الاشارة إلى أن نسبة تصاريح المرضى من غزة عام ٢٠١٢ بلغت ٩٢٪ والان ٥٥٪ فقط، بينما التحويلات انخفضت من ٢١٠٠ في المتوسط شهريا الى ١٤٠٠ نهاية مايو الماضي ومتوقع ان تصل الى ٣٠٠ الى ٤٠٠ فقط مع نهاية الشهر الجاري.