لغاية في نفس يعقوب، يهرب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هذه المرة، باتجاه عقد المجلس الوطني، مُصرا على تجاهل الكل الفلسطيني، مواصلاً بذلك سياسته الدكتاتورية، ضاربا بعرض الحائط الأنظمة والأعراف التوافقية.
ولا يكترث أبو مازن الذي بات يدور في حلقة مفرغة بعد فشل مشروع التسوية السياسية وغياب المبادرات الدولية الهادفة للوصول لحل يُنهي الصراع، بمشاركة الفصائل الفلسطينية في عقد الجلسة المقبلة، لاسيما أنه جرى التوافق في لقاءات بيروت على عقده وفق انتخابات جديدة، وفي مكان خارج رام الله بإحدى العواصم العربية.
عباس من خلال دعوته أثناء اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أمس الأول السبت، إلى عقد المجلس الوطني "بأسرع وقت"، يلف الحبل حول رقبته مغلقا بذلك الأبواب على نفسه في خطوة ستهوي به إلى العزلة أكثر من انتشاله من الوحل السياسي الذي وقع فيه نتيجة عناده.
قوى كرتونية
وبشهادة شاهد من أهله، يؤكد سام أبو شريف، مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات، أنّه لا يمكن تحقيق الوحدة الوطنية بعقد مجلس وطني ومركزي، يستثني حركتي حماس والجهاد الإسلامي، "اللتين تشكلان عصب المقاومة المسلحة في الأراضي الفلسطينية".
ويقول أبو شريف، في حديثه لـ "الرسالة " إنه: "لا يمكن استثناء حركتين بحجم حماس والجهاد، في وقت تتواجد فيه قوى كرتونية لا وجود لها على أرض الواقع في المنظمة، ولديها ممثلون في اللجنة التنفيذية، وتتلقى مخصصات عن أعضاء غير موجودين على الأرض، كرشوة سياسية للاصطفاف إلى جانب عباس".
ويُشير إلى أن قوى وفصائل جديدة ظهرت خلال مرحلة الانتفاضة الثانية، هي أوْلى بالتمثيل من "القوى الكرتونية التي باتت تتحكم في مصير الشعب الفلسطيني".
وأضاف أبو شريف أن المجلس الوطني فقد عددا كبيرا من أعضائه، وأن الباقين لا يستطيعون المشي على أقدامهم، وجرى استثناءهم من القرار والاجتماعات طيلة الفترة الماضية، وفق تعبيره.
وذكر أنه تمّ عقد الوطني عام 2008؛ لاستكمال انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية دون حضور نصف الأعضاء، معتبرا ذلك خرقا دستوريا.
لحل التشريعي
وبالعودة إلى غاية عباس من عقد المجلس الوطني، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن أن هذا الأمر يأتي كخطوة استباقية من الرئيس لحل المجلس التشريعي من خلال أعلى سلطة على اعتبار أن "الوطني" يُعتبر من السلطات العليا للشعب الفلسطيني.
ويضيف محيسن لـ "الرسالة نت" أن أبو مازن لم يجنِ حتى اللحظة أي هدف من إجراءاته ضد غزة التي شرعت بحل أزماتها بخيارات جعلت عباس يشعر أنها قفز على مؤسسات السلطة ومحاولة لتشكيل نظام سياسي فلسطيني جديد قائم على تفعيل "التشريعي" يكون بعيدا عن مشاركة السلطة في رام الله -في إشارة إلى تفاهمات حماس دحلان-.
ويؤكد أن تلك التفاهمات تنص على إعادة تفعيل المجلس التشريعي ليأخذ مكانه الطبيعي وهو ما يعتبره أبو مازن تخطي وتهميش له ولاستفراده بالقرار الوطني الفلسطيني.
ويشير محيسن إلى أن عباس يسعى جاهدا لقطع الطريق أمام تحقيق هذا الهدف من قبل حماس وتحالفاتها الجديدة، من خلال عقده للمجلس الوطني كونه سلطة عليا يمكن من خلالها اتخاذ قرار سياسي بحل المجلس التشريعي، وإن كان ذلك ينافي كل القوانين والأعراف.
الخيار الأخير
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون مع سابقه، مؤكدا أن تفعيل "الوطني" يأتي في ضوء الأزمة التي تعيشها السلطة والمناكفات الداخلية ومحاولة عباس تجاوز القوى والفصائل الرئيسية والإبقاء على احتكاره للقرارات.
ويوضح المدهون في حديثه لـ"الرسالة نت" أن عباس يريد تكرار تجربة انعقاد المؤتمر السابع التي نجح فيها فتحاوياً، مستبعدا أن ينجح في عقد الوطني لأن أغلب الفصائل تعارض ذلك.
ويلفت إلى أن الرئيس يريد عقد "الوطني" كهيكل وشكلٍ ويقوم بدعوة من يشاء، الأمر الذي سيفقده قيمته وشرعيته وهي دعوة تهز كيانه وشرعية المنظمة لا العكس.
وفي نهاية المطاف، فإن محاولات عباس تلك لن تجلب له سوى المزيد من حالة العزلة السياسية وخلق توافق وإجماع فلسطيني ضد سلوكه الإقصائي.