رغم كل هذا الموت والقتل المهول ما زالت لعنة أكتوبر تلاحق الاحتلال ليدفع ثمن عنجهية القوة التي تتملكه وحكومته اليمينة المتطرفة، وبين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024، تمر الذكرى المجيدة ثقيلة على الكيان المارق.
فقد سجل أكتوبر المنصرم حصيلة غير مسبوقة في أعداد الخسائر والقتلى جراء تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية واللبنانية على حد سواء.
88 قتيلا بصفوف العدو في أكتوبر المنصرم كانوا حصيلة صمود الشعبين الفلسطيني واللبناني، وإبداع المقاومة في الجبهتين عقب جملة من العمليات المتنوعة، شملت إطلاق صواريخ، ومسيرات هجومية، وعمليات وكمائن لقوات الاحتلال.
أكثر من ثلث قتلى الاحتلال سقطوا في العمليات البرية لجيش الاحتلال في جنوب لبنان، لكن المبهر أيضاً أن خسائر فادحة للاحتلال جرت في غزة، رغم مرور عام على الحرب الأكثر دموية ووحشية في التاريخ الحديث، فقد قتل 19 جنديًا وضابطاً، فيما قتل 11 آخرون بينهم عناصر في شرطة الاحتلال على إثر عمليات في الداخل.
صحيفة يديعوت أحرونوت، قالت إن 6 جنود قتلوا بسبب ضربات من طائرات بدون طيار، إضافة إلى 13 صهيونياً سقطوا بسبب الصواريخ أو الشظايا في الشمال.
أما في جبهة لبنان فقد كانت حصيلة المقاومة الباسلة مقتل 37 جنديا وضابطا.
وحتى بعد عام من بدء العمليات في غزة، لا تزال المعارك في القطاع تفرض تكلفة دموية ثقيلة، حيث قُتل 19 جنديًا خلال أكتوبر، بالإضافة إلى جندي آخر قُتل في حادث عملياتي بالقرب من الحدود.
هذا عدا عن الهجمات في داخل الاحتلال والذي أسفرت عن عشرات القتلى أيضاً.
هذا الزخم الكبير للعمليات المتنوعة من المقاومة على الجبهات المختلفة والخسائر الفادحة للاحتلال يحمل عدة مؤشرات:
أولاً: على صعيد المقاومة فهي ما زالت تحافظ على زخم العمليات العسكرية التي تشنها ضد قوات الاحتلال ورغم مرور أكثر من عام على الحرب فإنها نجحت في التالي:
_ إعادة المقاومة تأهيل نفسها عسكريا والتعامل مع الاحتلال بندية عالية رغم فرق الإمكانات المهول بين الجانبين، بل وأكثر من ذلك عبر التحول من الدفاع إلى الهجوم عبر المباغتة والكمائن المميتة التي أوقعت خسائر فادحة في صفوف جيش الاحتلال بل وجنرالاته.
_ المقاومة تقاتل فوق الأرض وتحتها حيث يكشف قادة في جيش الاحتلال أنها تمكنت أكثر من ذلك من العمل بتكتيكات عملياتية وميدانية متجددة تجعل من مهام جيش الاحتلال في الميدان أكثر صعوبة.
_ مقاومة باسلة على جبهات مترابطة شكلت استنزاف للاحتلال فقد قدمت المقاومة اللبنانية أداءً رائعاً في الميدان أعجز الاحتلال عن تحقيق أي من الأهداف التي أعلنها من هجومه البري على جنوب لبنان، خاصة بعد أن عجز عن التقدم لقوة وبسالة المقاومة اللبنانية وفداحة الخسائر التي تكبدها هناك، ما اضطر وزير حرب الاحتلال ورئيسه أركانه عن الحديث عن إنهاء العملية البرية قريباً.
ثانيا: على صعيد الاحتلال فقد وضعه الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة على مدار عام، إلى جانب قوة المقاومة اللبنانية الاحتلال في مشهد معقد، بعد أن أظهرت عجزه عن تحقيق أهدافه من الحرب، والتي تبدو أصعب مع مرور الوقت، ورغم كل ما حاول الاحتلال تقديمه على صورة إنجازات عسكرية.
وتثبت الخسائر البشرية الكبيرة لجيش الاحتلال أنه يواجه مقاومة شرسة رغم كل القتل والدمار، كما أن عملياته البرية المتعددة في ذات المناطق من قطاع غزة تكذب روايته حول القضاء على المقاومة والقدرات العسكرية والبشرية.
خسائر الاحتلال طالت جانب من أهم الجوانب التي بنى عليها عقيدته العسكرية وهي سمعته كجيش قوي لا يقهر، حيث يجمع الكثيرون في دولة الاحتلال أن تلك الصورة باتت من الماضي، وأن صورة الردع حلت مكانها صورة الهزيمة والانكسار.
وأحد أبرز المؤشرات على بسالة المقاومة وفداحة خسائر جيش الاحتلال هو الأزمة التي تواجهه اليوم في التجنيد ،حيث باتت علميات التهرب ورفض التجنيد تصل إلى 60%، بينما مئات مئات الضباط والجنود طلبوا التسريح من الخدمة العسكرية، كما رفضت مئات المجندات مواصلة الخدمة في الجيش وانتحر عدد آخر من الجنود.
وفي مارس/آذار الماضي قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن استطلاعا داخليا في الجيش الإسرائيلي أظهر أن 42% فقط من الضباط في الخدمة العسكرية الدائمة يريدون الاستمرار في الخدمة بعد انتهاء الحرب على غزة.