قائد الطوفان قائد الطوفان

بعد أسر أنسام

حياةٌ باهتة في منزل شواهنة لغيابِ "فاكهة البيت"

الأسيرة-أنسام-شواهنة
الأسيرة-أنسام-شواهنة

غزة-ياسمين عنبر

يشعر بالفراغ والبيت ممتلئ، ويرى الألوان باهتة، هكذا هو حال والد الأسيرة أنسام شواهنة، إذ يتخيل كثيرًا، كيف لطفلته أن تتحمل ازدحام الزنازين، وأن تتحمل القيد في يديها ورجليها، وأن تستيقظ على صراخ السجانات لعد الصباح، فيصاب رأسه بدوار لصعوبة التخيل ثم يتذكر كلمة المحررات "أنسام بقوة الرجال"، فيغدو مطمئنًا.

وعند تذكر ضحكاتها التي كانت تنثرها في البيت، تقف كل الخيالات، وتبطأ عقارب الساعة، وتمر أيام متثاقلة، و"كأن العالم كله اجتمع على أن يطيل الأيام والساعات" كما يحكي، حتى الثواني باتت ثقيلة على قلبه.

"فالثواني تعد ساعات لدى أهالي الأسرى والأسيرات"، يقول ناصر شواهنة والد الأسيرة "أنسام" لـ "الرسالة" التي غيبت وراء قضبان الاحتلال ولم تكن تتعدى التسعة عشر عامًا بعد، وحرمت جامعتها التي كانت متفوقة فيها، تلك الثواني التي يلمحها بها في المحكمة، والثواني التي نطق القضاة بها حكمًا جائرًا بحق طفلته، وثوانٍ أخرى.

وفي صباح التاسع عشر من مارس عام 2016 كانت أنسام تستعد لتقديم امتحانين في الجامعة، أقنعها والدها ألا تؤجل أحدهما، فتوجهت إلى الجامعة لتقديمهما، ولم تعد.

تنقلت "أنسام" بين مستشفيات الاحتلال، وذلك نتيجة الاعتداء بالضرب المبرح عليها من قبل مجموعة من المستوطنين ثم حولت إلى التحقيق وهي مصابة، ثم تم نقلها إلى سجن الهشارون ثم الدامون، بزعم محاولتها تنفيذ عملية طعن لمجندة في مستوطنة "كدوميم"، بحسب والدها.

وعبر الهاتف يأتي صوت والدتها "والله كانت فاكهة البيت"، فهي كما تروي والدتها أم باسل بنتها الوحيدة"، وتضيف: "كانت تملأ البيت أجواء من الفرح وتعينني وإخوتها في كل شيء"، ليعم الهدوء كما الحزن الذي خيم على قلوبهم بعد غيابها.

ويحكي والد "شواهنة": "أنسام لم تعد طفلة في السجن"، فهي الكبيرة التي يؤخذ برأيها وغالبًا ما يكون سديدًا، وهي التي تكبر عمرها بأعوام كبيرة، ويكفي قوتها وصبرها الذي يتفاجأ منه الجميع" كما يصلهم من المحررات.

على مكتبها الصغير ببيتها البسيط في قرية إماتين بقلقيلية، تتكوم كتب أنسام الجامعية التي تنتظر خروجها من الأسر لتعود إلى صندوق أحلامها الذي كانت قد ملأته، يقول "شواهنة": "كانت من الأوائل في الثانوية العامة وحصلت على 97%، وكانت أقصى أمنياتها أن تتخرج من الجامعة وتكون صحفية فلسطينية تنقل معاناة شعبها".

بأسى كبير يروي "شواهنة" رحلتهم القاسية مع محاكم الاحتلال، فأنسام نقلت إلى المحاكم أكثر من 20 مرة، وما تزال موقوفة، وحكمها مرتبط بموافقة المجندة التي زعموا أنها طعنتها، على السنوات التي تتفق عليها المحكمة والمحامون، كي يصدروا حكمًا بحقها، وتابع "البوسطة بالنسبة لها رحلة عذاب، فهي تستغرق 3 أيام وهي مكبلة اليدين والرجلين".

"خبروا أهلي انو ما بعجز عليا اشي بالسجن"، رسالة أوصلتها "شواهنة" مع إحدى الأسيرات المحررات والتي التقت بها في البوسطة، وقد كانتا مقيدتي الأيدي والأرجل، فساعدتها أنسام في كثير من الأشياء وكأن القيود مجرد سراب، "وهذه الرسالة توصلها لنا مع جميع من يتنسمون الحرية" كما يحكي.

في زنزانة صغيرة في سجن "الدامون" تقبع "أنسام" بعد نقلها من سجن الهشارون، وقد حرمت زيارة أهلها كباقي الأسيرات، حيث لم يزرها أهلها إلا أربع مرات في 20 شهرًا، وهذا المنع لا مبررات له عند الاحتلال، ويختم "شواهنة" بعزة قائلًا: "أنا فخور بصمود ابنتي وأروقة المحكمة شاهدة على ذلك، حين صرخت في القاضية "احكمي اللي بدك إياه، غصبن عنك مروحة".

البث المباشر