القدس – لمراسل الرسالة نت
قد يظن أي شخص أن تلك الدولة التي تباهي العالم بشفافيتها تحترم حقوق كل الأجناس التي تعيش تحت لوائها، وقد يظن الكثيرون أن "إسرائيل" بقوتها وحرص قادتها على تلميع صورتها أمام العالم تراعي الغير وتقدم المستحيل كي تبقى الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما تحب أن تسمي نفسها.
ولكن المتابع جيداً لكل ممارسات هذه الدولة المقامة ظلماً يجد أنها تهينُ العربي فيها وتحتقره إلى أبعد الحدود مع ما تحمله الكلمة من فظاعة، ويبدأ ذلك من أروقة الكنيست الذي تظن "إسرائيل" أنه يعكس صورتها الناصعة، بينما أظهرت ممارساتها من خلاله أنها الدولة الأكثر عنصرية على الإطلاق في الشرق الأوسط بل وفي العالم كله.
وتستمر الرواية الصهيونية في التباكي على المحرقة النازية وشتم هتلر وأتباعه والمسّ بكل من لا يروق لها تحت إطار "محاربة العنصرية"، متناسية أنها تجسد هذه الكلمة بكل ما تحمل من معانٍ بشعة بحق مئات آلاف الفلسطينيين ممن شاءت إرادة الخالق أن يبقوا في أرضهم رغم مجازر الصهيونية بحقهم.
المرحلة الأولى
في بادئ الأمر رأت حكومة الاحتلال أن صورتها بعد مجازر عام 1948 و1967 يجب أن تشرق بالقيم الأخلاقية المزيفة، فارتأت أن تجعل للفلسطينيين مقاعد في الكنيست الصهيوني كونهم "أقلية يجب احترام حقوقها"، وبالفعل كان لهم ذلك وليته لم يكن!
وفي حينه لم تتدخل العنصرية الصهيونية عبر القادة والمسؤولين - أو لنقل لم تتدخل ظاهرياً- فقد كلفت تلك القيادات عناصر متطرفة من أعضاء الكنيست والمغتصبين بتهديد الأعضاء العرب وترويعهم وجعلهم يعيشون في خوف دائم إذا ما اعترضوا على ممارسات دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، ففي أكثر من مرة يتم إسكاتهم عن الحديث داخل قاعة الكنيست من قبل أعضاء آخرين، فيما يتظاهر رئيسه بأنه يريد من الأطراف كلها أن تهدأ، ويبقى على هذه الحال حتى يفض الجلسة ويتذرع بأن الهدوء لم يخيم عليها، وفعلياً هو فضّها من أجل تفويت الفرصة على الأعضاء العرب لطرح أي قضية يرون أنها مجحفة بحقهم.
وفي هذا يقول العضو السابق في الكنيست عصام مخول إن ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة إنما يعكس طبيعة "إسرائيل" الأصلية ابتداء من ظلمها لأعضاء الكنيست العرب من خلال قمعهم وتهديدهم، لافتاً إلى أن الأعضاء المتطرفين فيه أو المغتصبين إنما يعكسون الوجه الحقيقي لدولتهم وليس كما تدّعي الأخيرة.
ويضيف لـ"الرسالة":" الاحتلال يمارس العنصرية بحق الفلسطينيين الذين يعيشون داخلها وأبرزهم أعضاء الكنيست، وهي لا تعترف بأن لهم أي حق على هذه الأرض بل ترى بأنه يجب طردهم منها، لذلك فكل ادعاءاتها مكشوفة والفلسطينيون يفهمون ذلك جيداً".
سحب الامتيازات
وبعد أن استنفدت دولة الاحتلال صبرها المزيف أمام أعضاء الكنيست العرب بدأت بالتحرك الفعلي ضدهم، ففي البداية سحبت عدة امتيازات من العضو العربي السابق في الكنيست عزمي بشارة وأرادت محاسبته على تصريحاته التي لم تكن إلا ترجمة لتصرفاتها على الأرض، وبالطبع لم يرق لها ذلك.
ومن ثم شرعت بتهديده بالسجن أو القتل بشكل علني ومباشر إلى أن منعته من العودة إلى فلسطين أو ما يسميه الكثيرون بقرار إبعادها له، حيث هددته بالاعتقال فور أن تطأ قدمه أرضه، وما زال حتى الآن يتجرع ظلمها بحقه خارج فلسطين مهدداً ومبعداً عن وطنه.
وتمر الأيام بعدها لتعلن "إسرائيل" حربها على عضو الكنيست العربية حنين الزعبي بعيْد مشاركتها في أسطول الحرية ومحاولتها الوصول إلى القطاع المحاصر لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى أطفاله، ولكن دولة الاحتلال لا تنظر إلا من زاويتها المعتمة العنصرية لتسحب الامتيازات البرلمانية من النائب الزعبي.
وتقول النائب في هذا لـ"الرسالة":" إسرائيل تثبت لنا يومياً أنها تخفق في كل اختبارات الديمقراطية، وتثبت أنها ضد كل ما هو إنساني، أنا ذهبت لأكسر الحصار عن شعب بأكمله برفقة متضامنين إنسانيين, والجنود الإسرائيليون هاجمونا في خرق واضح لكل الأعراف والقوانين وحتى الأخلاق".
وتوضح الزعبي أن قرار الكنيست بسحب امتيازاتها لا يأتي في إطار الاستهداف الشخصي لها فحسب وإنما يهدد كل الأعضاء العرب في الكنيست ضمن خطة منظمة لابتلاع حقوقهم لصالح الأعضاء الصهاينة وتمهيداً لابتلاع حقوق الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
وتؤكد الزعبي بأن صوتها لن يستطيعوا إسكاته مهما أصدروا بحقها من قرارات وإنها ستسعى إلى البحث عن مساعدات دولية قانونية من أجل مواجهة النزعة الانتقامية لدى أعضاء الكنيست الصهاينة الذين قالوا لها فور انتهاء الجلسة بأن "هذه هي بداية النهاية"!
مفترقات
ويعتبر الخبير في الشؤون الصهيونية أنطوان شلحت أن ممارسات الاحتلال بحق فلسطينيي الـ48 ممنهجة ويتم تطبيقها بتباين بين عضو وآخر عملاً بسياسة فرّق تسد ومحاولة قمع المواطنين العرب في "إسرائيل" بواسطة معادلة تقوم على أساس الترغيب والترهيب، لافتاً إلى أن كل هذه الإجراءات هي ذروة لحملة يتعرض لها الفلسطينيون في الداخل وتجري بزخم ضد ممثليهم المنتخبين.
ويرى شلحت في تصريح لـ"الرسالة" أن الحملة الإسرائيلية على أعضاء الكنيست العرب شهدت مفترقات مهمة أولها بدأ عام 2000 مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي انخرط فيها الداخل الفلسطيني خلال فترة مؤقتة عرفت باسم هبة أكتوبر، حيث منذ ذلك الحين نشهد سياسة الهجوم على الحقوق الفلسطينية في الداخل المرتبطة بمسألة المواطنة.
ويضيف الخبير بأن المفترق الثاني والمهم هو حرب "إسرائيل" على لبنان عام 2006 حين اعتقدت الدولة الصهيونية بأن تضامن الفلسطينيين مع المقاومة اللبنانية ووقوفهم ضد الحرب بمثابة تجاوز للخطوط الحمراء، بينما شهد عام 2008 و2009 مفترقاً آخر حين شن الاحتلال حربه على قطاع غزة ووقوف أعضاء الكنيست العرب والفلسطينيين كلهم ضدها.
وتابع:" يضاف إلى أنه في عام 2007 و2008 أصدر الفلسطينيون وثائق سياسية عبرت عن رؤيتهم لمستقبلهم السياسي والوطني من خلال المطالبة بتغيير طابع الدولة من طابع الدولة اليهودية إلى طابع دولة المواطنين أو ثنائية القومية فيما اعتبر تحديا من داخل إسرائيل للمشروع الرامي لتكريس إسرائيل باعتبارها دولة يهودية".
ويذكر شلحت أن المنعطف الأخير كان في الانتخابات البرلمانية الصهيونية الأخيرة عام 2009 التي أسفرت عن فوز اليمين المتطرف وتشكيل الحكومة الإسرائيلية بتركيبتها الحالية التي نجد فيها وزناً لحزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان الذي خاض الانتخابات على أساس برنامج إعلان الحرب على الحقوق الفلسطينية في الداخل والحقوق المرتبطة بالمواطنة، معتبراً أن ما يجري في أروقة الكنيست هو تطبيق فعلي لبرنامج هذا الحزب المتطرف.
وتوقع شلحت أن تتصاعد هذه الهجمة الصهيونية على أعضاء الكنيست العرب لأنها في بدايتها لا تبشر بأي خير، مبيناً أن الكنيست إذا تجرأ على أن يسحب حقوق وامتيازات الأعضاء العرب لمجرد أنهم كذلك أو لأنهم يخالفون سياساته الرسمية فهذا يعني أن المستقبل المتعلق في هذا الملف مفتوح على كل الاحتمالات.
ولفت إلى أن أصواتاً تتعالى بين الفينة والأخرى من داخل المسؤولين السياسيين أو الرأي العام تدعو إلى سحب المواطنة من أعضاء الكنيست العرب وبالتالي سحبها من أي فلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948.