لم يستطع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إخفاء غضبه خلال كلمته في اجتماع المجلس المركزي الأخير من الضغوط العربية المتزايدة عليه، للقبول بأجندة الاقليم ورؤيته السياسية، الأمر الذي يفتح المجال للسؤال عن إمكانية تجاوز الضغوط العربية رغم اعتماد السلطة على الدعم المالي المقدم من بعضها.
وكرّر عباس امتعاضه من التدخل العربي في الشأن الفلسطيني الداخلي، وموقف الدول العربية من القرار الأمريكي الذي أعلن بموجبه الرئيس دونالد ترمب القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، حيث سرد في كلمته موقفاً حصل في اجتماع وزراء خارجية ست دول عربية في عمان حينما انتقد أحد الوزراء موقف الشعب الفلسطيني وردّ عليه وزير الخارجية الفلسطيني بالسؤال عن عدم السماح لمواطني تلك الدولة بالتظاهر لدعم فلسطين.
ولم يذكر عباس اسم وزير الخارجية المقصود، لكن من المعروف أن الوزراء الذين حضروا الاجتماع هم وزراء الأردن ومصر والمغرب والإمارات وفلسطين والسعودية، وقد شهدت مدن أردنية ومغربية ومصرية مظاهرات تأييد للفلسطينيين، مما يشير إلى أن أبو مازن يقصد إما وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أو وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش.
وعلق عباس موجها كلامه للوزير الذي لم يسمه، قائلا ً"إذا أردت تبرير تقصيرك فلا تلق اللوم على الشعب الفلسطيني (...) هذا شعب حي ليس بحاجة لمن يقول له ماذا يفعل... يا ريت تعطونا كتف (تساعدوننا) أو تفكونا من رائحتكم"، وفق تعبيره.
وتتزامن هذه الضغوط مع حديث مستشار عباس للعلاقات الدولية نبيل شعث بأن هناك تسريبات حول خطة أميركية لعزل عباس من منصبه، وهو ما جدد السؤال حول احتمال تكرار ذات السيناريو الذي نفذ ضد سلفه الرئيس الراحل ياسر عرفات، فيما ترافق حديث عزل عباس مع تسريب مصدر فتحاوي مطلع لوكالة قدس برس عن ضغوط كبيرة يتعرض لها عباس، من قبل القيادة السعودية للقبول بعودة النائب محمد دحلان.
وقال المصدر الفتحاوي: "إن الرئيس عباس أبلغهم في اجتماع اللجنة المركزية الأخير أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ناقش معه عودة دحلان إلى قيادة "فتح"، نظير زيادة الدعم السعودي والإماراتي للسلطة".
ويبدو أن الضرورة السياسية والحل الوحيد أمام الرئيس عباس للتخلص من تلك الضغوط وايجاد ظهر قوي يحميه، يقتضي منه إنهاء الخلافات الفلسطينية الداخلية للتفرغ لمواجهة الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، والتي يتضح معالمها في محاولة إنهاء ملفات الحل النهائي والمتمثلة بالقدس والأرض والحدود وحق العودة والدولة والمستوطنات.
وفي التعقيب على ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية عبد الستار قاسم: "إن سياسات الرئيس عباس في تعامله مع شتى الملفات الوطنية أوصلته إلى مرحلة التعرض للضغوط الخارجية من الدول العربية"، متوقعا أن يستجيب لها نظرا لما تملكه هذه الدول من أدوات يمكنها من التأثير الفعلي على عباس وسلطته.
وأوضح قاسم في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن عباس يدير ظهره للشعب الفلسطيني وقواه السياسية، مما أضعف موقفه أمام الدول العربية، وأوصله إلى مرحلة حرجة من الناحية السياسية، ولا يمكنه تجاوزها إلا بالعودة إلى البيت الفلسطيني وترتيبه في المرحلة المقبلة، مستدركا بقوله: إن عباس لا يريد تحقيق المصالحة وتوزيع الأحمال السياسية على القوى الوطنية النشطة في الساحة السياسية الفلسطينية".
وبيّن أن مصدر الضغوط يتمثل في السعودية ومصر بالدرجة الأولى ثم الأردن والإمارات، والتي تهدف جميعها في نهاية المطاف إلى تصفية القضية الفلسطينية التي يرون فيها مصدرا للإزعاج على مدار العقود الماضية، مشيرا إلى أن الأطراف العربية تسعى إلى تنفيذ الخطة الأمريكية التي يتبناها الرئيس الحالي دونالد ترمب.
وفي نهاية المطاف، تشير أبجديات السياسة إلى أن من لا يملك المال لا يملك القرار، وعليه سيكون الرئيس عباس مجبرا على القبول بالضغوط العربية، أو الاستقواء بالشعب الفلسطيني وقواه السياسية لمواجهة كل الضغوط والمؤامرات التي تحاك للقضية الفلسطينية، وإما العناد الذي نهايته تتخلص في انتظار مرحلة إنهاء وجوده السياسي، والاستعاضة عنه بشخصية أخرى خلال الأشهر القليلة المقبلة.