قبل أيام حاول رئيس وزراء الاحتلال (نتنياهو) القفز عن أزمته إثر توصية الشرطة تقديمه للمحاكمة بتهمة الفساد والرشوة، طارحاً أمام أقطاب حزبه (الليكود) خطة ضم الضفة المحتلة لكامل السيادة الإسرائيلية، مشيراً لتفهم الولايات المتحدة الأمريكية لذلك، لكن الأخيرة ردت ببيان رسمي كذب (نتنياهو)، وهو ما يعكس موقف الأمريكان القديم من الضفة واقتناعهم أنه سيغادر مقعده قريباً بسلسلة فضائح.
وكذّب البيت الأبيض، (نتنياهو) بنفيه حديث الأخير عن اتصالات بينه وبين الولايات المتحدة ومناقشة مسألة ضم الضفة الغربية إلى "السيادة الإسرائيلية" في بيان أضاف: "الولايات المتحدة وإسرائيل لم تناقش يوما اقتراحا كهذا، الرئيس يركز على مبادرته الخاصة للسلام. كل التقارير التي بحسبها ناقشت الولايات المتحدة مخططات لضم الضفة الغربية مع "إسرائيل" هي كاذبة".
وطوال عام ونصف تطورت سلسلة اتهامات (نتنياهو) بالرشوة والفساد لكن قوة الرجل أجّلت حسم مستقبله إلى حين في ظل تصاعد تطورات إقليمية ومحلية كان فيها المجتمع الإسرائيلي وقادته يرون أنه الاكثر قوة في إدارة المرحلة الماضية.
رصاصة الرحمة
لن يشدّ (نتنياهو) قامته بعد اليوم وهو يطلق التصريحات النارية حول أكثر ما تناوله في فترة حكمة من قضايا (ملف إيران النووي والإرهاب) فسلسلة الاتهامات بالفساد والرشوة في ما عرف بملفات (1000 و2000) ستهوي بالمطرقة فوق رأسه.
وظلت اتهامات (نتنياهو) كشوكة في الحلق لكنه تمكن من تجاوزها بل وقدّم الكثير سياسياً حين كسب مزيد من الأصدقاء في دول مهمة من حوله وانتزع من (ترامب) اعترافاً تاريخياً بالقدس المحتلة كعاصمة لدولته.
ويؤكد د. جمال عمرو الخبير في شئون الاستيطان والقدس أن (نتنياهو) جدد قبل أيام طرح مخططا لضم كامل الضفة إلى دولته مستغلاً واقع (إسرائيل) السياسي الذي قطع شوطاً مهماً في مخططات الاستيطان ومحاولاً في الوقت ذاته كسب تأييد اليمين وخاصة حزب (الليكود) في ظل أزمته الحالية.
ويضيف: "لم تعلن "إسرائيل" يوماً صراحةً على الاطلاق في زمن حكم اليسار واليمين أنها ستضم الضفة كاملة بعد احتلال 1967 رغم رغبتها بذلك وظل الخلاف المعلن طوال سنوات حتى زمن عملية التسوية عن مستوطنات "شرعية" وأخرى غير "شرعية" في الضفة المحتلة"، وفق تعبيره.
ومنذ نشأة الاحتلال ظل الاستيطان محل دعم الحكومة بمنسوب متفاوت لكن الاحتلال مؤخراً يستغل ضعف الإقليم ويتمدد بشراء أراض يتحدث عنها الخبير عمرو في الأردن وشمال العراق وضفاف نهر الفرات حتى سفارته في القاهرة يتفاخر بإطلالتها على النيل ما يعني بقاء الحلم بسيطرة (من النيل إلى الفرات).
(نتنياهو) المحتضر سياسياً يعبث بأهم ملفات الضفة حين يروّج لضمها كاملة مطلقاً رصاصة الرحمة على حلم الدولة الفلسطينية، وهي مرحلة جديدة تحسم مستقبل الضفة المحتلة بالكامل رغم عدم اكتمال لمساتها الميدانية بعد.
ويرى د. سعيد زيداني المختص في الشئون الإسرائيلية أن محاولات (نتنياهو) طرح مشروع ضم الضفة المحتلة للسيادة الإسرائيلية الكاملة أمام حزب (الليكود) زاعماً تفهم الأمريكان موقفه أوقعه في مشكلة زادت من أزمته.
قفص الاتهام
وكما رأينا العام الماضي (ايهود ألمرت) في بدلة السجن الزرقاء وهو يتناول وجبة طعام متواضعة وشاهدنا زيارة زوجة (موشيه كتساف) رئيس الدولة الأسبق في سجنه لدعمه في أزمته النفسية ربما ستنقل لنا الكاميرات (سارة نتنياهو) برفقة زوجها في بزّة السجن.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الشرطة أوصت النيابة العامة بتقديم رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) للمحاكمة بتهمة الرشوة وخيانة الامانة. بينما رد (نتنياهو) على توجيه الشرطة قائلا: "لن تخلص التوصيات إلى شيء".
وتقدر الشرطة أنه خلال عقد من الزمن تلقى نتنياهو مليون شيكل رشوة، 750 ألف منها حولها الملياردير (ميلتشين) بنفسه، و250 ألف انتقلت لنتنياهو بواسطة رجل الأعمال الأسترالي، (جيمس باكر).
وكشفت التقارير أن الشاهد المركزي الذي لم يتم الكشف عنه مسبقًا في القضية 1000، هو عضو الكنيسيت ووزير المالية السابق، (يائير لبيد)، حيث سأله (نتنياهو) إذا ما التقى مع رجل الأعمال (أرنون ميلتيشن)، فيما يتعلق بالاعفاء الضريبي الذي يخص قانون "مواطن عائد" الذي، بحسب وسائل الإعلام يعود بأرباح مالية مباشرة على ميلتيشن.
ويتوقّع د. جمال عمرو خبير الاستيطان وشئون القدس أن الشرطة الإسرائيلية ماضية في محاسبة (نتنياهو)، وأن دوائر أمنية إسرائيلية أعلمت الأمريكان بمستقبله المتهاوي لذا حرمه الأمريكان رصاصة الرحمة وكذبوه في مسألة ضم الضفة ببيان رسمي من البيت الأبيض.
الاستثمار الأمريكي لن يكون في الإنعاش بل في الرجل الجديد حيث لم تكن الشرطة الإسرائيلية كجهاز مهم حسب ما يؤكد الخبير عمرو تجرؤ على المجازفة بتناول ملف فساد (نتنياهو) بقوة وصراحة في مؤتمر صحفي إلا بعد اقتراب نهاية مستقبله.
ويصف المحلل زيداني مستقبل (نتنياهو) بأنه بات (فوق كفّ عفريت)، وأنه لن ينجح في تجاوز ورطته وإن تمكن الآن من تأجيلها حتى يقرر المستشار القانوني للحكومة الموقف النهائي.
ويتابع: "ساعة الصفر بعد شهور حين يقرر المستشار القانوني تقديم لائحة اتهام ونتنياهو في الشهور القادمة يستطيع المناورة فقط لكنه كشخصية سياسية فقدت بريقها أمام النخب الإسرائيلية وربما يكون نهايته السجن".
ملف الاتهامات (1000) يتركّز حول تلقي (نتنياهو) هدايا من أثرياء وملف (2000) فيه محاولة اتفاق بين (نتنياهو) ورئاسة تحرير صحيفة (يديعوت) لدور صحفي غير قانوني لصالح (نتنياهو) مقابل تشديد الخناق على صحيفة منافسة لها إضافة إلى ملف الغواصات الألمانية الذي أضرّ بسمعته السياسية وتفاصيل فساد ورشوة أخرى متعددة.
وكانت النائب في (الكنيست) من حزب "ميرتس" اليساري (تامار زاندبيرغ) دعت (نتنياهو) للاستقالة من منصبه، مضيفةً في تغريدة عبر موقع "تويتر": رئيس الوزراء في طريقه إلى السجن، إنه يوم محزن للديمقراطية، نتنياهو فقد السلطة الأخلاقية في حكومته".
وأياً ما يكون الحكم النهائي في ملفات فساد ورشوة (نتنياهو) فإن مستقبله السياسي قد انتهى بعد أن شغل طوال عقد مضى المقعد الأول في السياسة الإسرائيلية في حقبة ما بعد رحيل الكبار وهو ما يضع السياسة الإسرائيلية أمام منعطف جديد لا يزال اليمين يمسك بزمامها.