قائد الطوفان قائد الطوفان

تتأرجح بين الارتفاع والانخفاض

أسعار الدواجن تشوي جيوب الغزيين وتثير تساؤلات؟

صورة
صورة

غزة-محمد عطا الله

كغيره، شعر المواطن أبو محمد مسلم بالإحباط جراء عودته من السوق خاوي اليدين دون مقدرته على شراء الدجاج -كما اعتاد على ذلك كل جمعة- بسبب ارتفاع السعر بشكل غير مسبوق.

ويقول مسلم الذي التقته "الرسالة" قبل ثلاثة أسابيع من نشر هذا النص: "إن الارتفاع الجنوني بسعر الدواجن دفعني إلى العزوف عن شرائه في الوقت الحالي والبحث عن البدائل الأخرى وشراء كمية قليلة من اللحوم الحمراء وغيرها".

وشهدت أسعار الدواجن في قطاع غزة ارتفاعاً ملحوظاً، في ظل انعدام القدرة الشرائية لدى المواطن الغزي، حيث تراوح سعر كيلو الدجاج اللاحم في القطاع بين 16-17 شيقل.

ويأتي ارتفاع الأسعار في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة انهياراً غير مسبوق اقتصادياً وإنسانياً، حسب مؤسسات دولية وحقوقية، إذ لم يعد سكان القطاع قادرين على تلبية احتياجاتهم اليومية والمعيشية.

ما سبق كان دافعا لـ"معد التحقيق" للبحث والتقصي عن أسباب وحيثيات الارتفاع غير المسبوق بأسعار الدواجن، لا سيما في ظل الحديث عن شح الدواجن بالمزارع، بينما تتوفر في الأسواق بأوزان كبيرة.

شح وخسائر

ويقول تاجر الدواجن عبد الله أبو شرخ: "إن تدهور سعر الدجاج على مدار الأشهر الماضية، وزيادة العرض أكثر من الطلب تسبب بخسارة العديد من المزارعين ودفعهم للتوقف عن التربية مما ساهم في شح الكميات المتوفرة بالسوق".

ويؤكد أبو شرخ في حديثه لـ"الرسالة" أن وجود الدجاج بأوزان كبيرة في ظل شُحّه يرجع إلى احتكار بعض كبار التجار بهدف الاستفادة والربح بشكل مضاعف من الوزن والسعر معاً، ومضى يقول: بعض التجار يتحكمون بشكل كبير في الأسعار والكميات كونهم الوكلاء الحصريين للدواجن"، وعن دور الجهات المسؤولة في الرقابة عليهم يعقب التاجر أبو شرخ متهكما "هم أكبر من الحكومة"، وفق تعبيره.

ويُشير إلى أن القانون لا يسري على هؤلاء التجار المحتكرين، وإنما عليه وغيره من صغار التُجار، وفق قوله.

17 فقاسة بيض مخصب بغزة يمتلكها كبار التجار ويتحكمون في نسب التوزيع

وبحسب مصادر ومعلومات خاصة حصل عليها مُعد التحقيق، فإن ما يزيد عن عشرة تُجار تتحفظ "الرسالة" عن ذكر أسمائهم، احتكروا كميات كبيرة من الدجاج قبل ارتفاع الأسعار وفي ظل شح الدواجن وقاموا بتسمينها وعرضها في الأسواق بعد وصول سعر كيلو الدجاج لـ17 شيكل؛ عقب منع وزارة الزراعة استيراد البيض.

وتُفيد تلك المصادر لـ "الرسالة" أن التجار أنفسهم استوردوا كميات كبيرة تزيد عن الحصص المسموحة لهم من البيض المُخصب-المخصص للتفقيس-واحتكروها لصالحهم دون رقيب أو حسيب، وهو ما يكشف سر وجود أوزان كبيرة من الدجاج في فترة شحه.

ووفقاً للفقرة الرابعة من المادة 27 بقانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم (21) لسنة 2005م، فإن كل من امتنع عن عرض أو بيع السلع التموينية أو أرغم المشتري على شراء كمية معينة منها أو سلعة أخرى معها، أو اشترط شراء خدمة بإسداء خدمة أخرى أو بشراء سلعة، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تتجاوز ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً أو بكلتا العقوبتين.

احتكار

ما سبق من معلومات قادنا إلى أحد أصحاب مزارع تربية الدواجن الذي أكد أن وزارة الزراعة سمحت قبل حوالي شهر باستيراد كميات كبيرة من البيض المخصب مما أدى إلى تدني الأسعار، حيث وصل سعر كيلو الدجاج لـ6 شواكل.

ويُكمل الخمسيني الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أن الوزارة عادت لمنع استيراد "البيض" والدجاج المجمد لمدة عشرين يوماً، فيما سمحت لأحد التُجار بطريقة غير مبُاشرة بإدخال كميات كبيرة من البيض لصالحه، بشكل خفي الأمر الذي يٌثير التساؤل حول مصلحة الوزارة من فعل ذلك.

ويتهم المُربي بعض التجار بإقامة علاقة مع بعض الجهات المسؤولة، مٌردفا: "إذا هم مشتريين الحكومة في (إسرائيل) وأحدهم عطّل لآخر شحنة بيض في مطار بن غوريون، بدهمش يشتروا بعض المسؤولين عنا؟"، على حد قوله.

أكثر من 1500 مزرعة في غزة تنتج بالوضع الطبيعي 2.5 مليون دجاجة شهرياً

ويتعجب من عدم تحرك الجهات المسؤولة بشكل حازم وصارم من أجل الحفاظ على المزارعين والتجار الصغار والمستهلك على حد سواء.

وتنص المادة 2 من قانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم (21) لسنة 2005م، على حماية وضمان حقوق المستهلك بما يكفل له عدم التعرض لأية مخاطر صحية أو غبن أو خسائر اقتصادية وتوفير السلع والخدمات ومنع الاستغلال والتلاعب في الأسعار وحماية حقوق المستهلك في الحصول على السلع.

استيراد المجمد

تلك الشهادات دفعتنا إلى حمل هذه القضية ووضعها على طاولة الجهات المسؤولة، وهنا طرقنا أبواب دائرة حماية المستهلك والمكاتب الفرعية ممثلة بمديرها رائد الجزار، الذي أوضح أن هذا الملف مسؤولية وزارة الزراعة بشكل كامل.

ويؤكد الجزار في حديثه لـ "الرسالة" أن دائرته لا تتدخل إلا بعد تجاوز سعر كيلو الدجاج لأكثر من 16 شيكلا، عبر السماح باستيراد الدجاج المجمد والمُبرد من الأراضي المحتلة والضفة والخارج.

وعند طرح مُعد التحقيق سؤالا عليه: هل يعقل أن تتدخل الجهات الرسمية بعد حرق الأسعار جيوب المستهلكين؟ رد قائلاً: " نسير وفق اعتبارين الأول صاحب المزرعة والثاني حماية المستهلك، وفي فترة رخص الدجاج كان صاحب المزرعة هو الذي يخسر ولم نرفع الأسعار، المفترض أن نكون مثل كل دول العالم، لكن نشهد تذبذبا وارتفاعا رهيبا بنسبة 100% بالأسعار ووزارة الزراعة تتحمل المسؤولية كون أن تنظيم السوق وتوازن الأسعار مسؤوليتها".

مختص بالاقتصاد: حجب السلعة الأساسية يعتبر احتكارا واستيراد المجمد انتكاسة

وبيّن أن وزارة الزراعة لديها مفتشين وإمكانيات أكبر من إدارة حماية المستهلك كونها تعرف المزارع في كل محافظة وتتابعها وتنظم استيراد البيض واللحوم المجمدة عبر المعابر.

عملية البحث والتقصي قادتنا إلى نقيب المهندسين الزراعيين في قطاع غزة المهندس حسن أبو عيطة، الذي أكد أن ما يجري من تذبذب في الأسعار يعود إلى الخلل الموجود لدى وزارة الزراعة التي أدخلت كميات زائدة عن الحاجة من البيض المُخصب في ظل ضعف القوة الشرائية ثمّ أخطأت مرة أخرى ومنعت استيراده لقرابة شهر بشكل كامل.

ويوضح أبو عيطة أن منع استيراد البيض كان من المفترض أن يتم بشكل تدريجي ومتوازن، وليس كليا، ووفقاً لحاجة المستهلك لا أن تعوض الخسائر التي تعرض لها المزارعون والتجار بهذا الشكل.

ويُلقي نقيب المهندسين الزراعيين باللوم على وزارة الزراعة لعدم محاسبتها المُحتكرين وحماية المنتج الوطني وغض الطرف حتى تصبح السلعة مُحتكرة لدى بعض التجار ومحجوبة عن المستهلك، وفق قوله.

الاقتصاد: نتدخل بعد وصول السعر لأعلى من 16 شيكلا فقط والملف مسؤولية وزارة الزراعة

ويتابع "عدم وجود سياسة متوازنة أدى لتعرض المربين للخسارة العالية، وعزوف بعضهم وخاصة الصغار عن التربية بعد تلقيهم هذه الصفعة"، مبيناً أن ضعف القوة الشرائية بسبب الوضع الاقتصادي وعدم وجود صندوق أو حماية للمزارعين أسوة بمعظم الدول التي تحمي الزراعة والإنتاج المحلي، يساهم في تدمير هذا القطاع.

وعن دورهم كنقابة في وضع حد للاحتكار والتلاعب بالأسعار وتنظيم هذا القطاع، رد أبو عيطة قائلاً: "دورنا توجيهي فقط لأن هذا الأمر يتعلق بشكل رئيسي في الحكومة والوزارة المسؤولة التي تنظم هذه الأمور ونحن نوجه ونتشاور ولا نستطيع أن نمارس الضغط بسبب الظروف الوظيفية وعدم الاستقرار السياسي".

خلق أزمة

وأمام ما سبق كان لابد من الوصول لوزارة الزراعة والحصول على ردهم، وهناك قابلنا طاهر أبو حمد مدير الثروة الحيوانية والإنتاج في وزارة الزراعة بغزة الذي برر احتكار بعض التجار للدجاج، بأنه "شيء طبيعي لتعويض خسائرهم"، وفق قوله.

ويؤكد أبو حمد أن وزارته تعمدت خلق أزمة لمدة أسبوعين من أجل علاج ووقف خسائر المزارعين وحماية قطاع الدواجن من الدمار عبر منع ادخال البيض لفترة مؤقتة، واصفا تعليف بعض المربين والتجار للدواجن وتسمينها في فترة الشح "أمرا طبيعيا ولا يعتبر احتكارا".

نقيب المهندسين الزراعيين: منع إدخال البيض كلياً كان قراراً خاطئاً ودورنا توجيهي فقط

ويعزو منع وزارة الزراعة للبيض والدجاج المجمد والتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل مؤقت لإتاحة المجال لتعويض الخسائر الكبيرة التي تعرض لها المزارعون على مدار الأشهر الأربعة الماضية، والتي وصلت ما يقرب من 3 ملايين دولار شهرياً.

وينوه أبو حمد إلى أن وزارته قامت بتلك الخطوة من خلال التنسيق مع المزارعين والتجار؛ للسيطرة على الوضع ووقف عملية الخسائر الكبيرة ولحماية قطاع الدواجن، نافيا أن تكون دخلت أي شحنة لأي مزارع خلال فترة المنع.

ويقر بأنه جرى ادخال بعض الكميات الزائدة عن حصص بعض التجار، مقابل حرمانه منها في الأشهر المقبلة كإجراء عقابي؛ نظرا لصعوبة إتلاف الكميات أو إعادتها.

ويُشير إلى تلقيهم بعض المعلومات عن دخول كميات من البيض لبعض التجار وعند توجههم للفقاسات لم يجدوا شيئاً من هذا القبيل.

وعن عدم وجود خطة متوازنة تسير عليها وزارة الزراعة للحفاظ على الأسعار، أوضح أنهم يسيرون منذ فترة طويلة على خطة تحافظ على الأسعار وتحمي المستهلك والبائع والتاجر، إلا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة بشكل متسارع أعاق العمل بهذه الخطة وأحدث اخلال في التوازن.

الزراعة: تعمدنا خلق أزمة لتعويض خسائر التجار وحماية قطاع الدواجن

ويشدد على أن قطاع الدواجن مهم ويحقق الاكتفاء الذاتي من الدواجن الطازجة في القطاع، مشيراً لوجود أكثر من 1500 مزرعة في غزة تنتج في الوضع الطبيعي ما يقرب من 2.5 مليون دجاجة شهرياً.

ويلفت إلى وجود 17 فقاسة تعمل على إنتاج الصوص، منوها إلى أنه بسبب الأوضاع المتردية تراجع الاستهلاك إلى أقل من 1.5 مليون دجاجة شهرياً.

خطة متوازنة

وبالعودة إلى الجزار فيؤكد أن وزارته اقترحت تثبيت أسعار كيلو الدجاج حول 11-12 شيكل، بحيث إذا ارتفع أن يتم بيع كل الدواجن لمؤسسة حكومية أو شبه حكومية، وهي بدورها تعرضه بالسوق، وتابع "هذه الألية تضمن عدم خسارة المزارع او المستهلك وتضمن عدم الاستغلال، وهذا ما يحصل في أغلب دول العالم".

وأضاف أنهم لا يعرفون من يحملون مسؤولية ما يجري من ارتفاع للأسعار التاجر أم البائع أم المزارع، متمنيا أن تجد وزارة الزراعة حلا لهذه القضية.

ويعتقد المختص في الشأن الاقتصادي نهاد نشوان أن عدة عوامل ساهمت في خلق أزمة قطاع الدواجن أبرزها عدم ضبط الاستيراد على المعابر من قبل وزارة الزراعة بشكل أساسي.

ويؤكد نشوان في حديثه لـ"الرسالة" أن الدجاج اللاحم من السلع الأساسية التي لا يجوز حجبها واحتكارها.

وبيّن أن غياب العدالة في التوزيع وتقسيم كميات البيض لحصص على غرار حصص الوقود الذي يصل لمحطات البترول عبر المعابر من أسباب الاحتكار وعدم ضبط السلعة، لافتاً إلى ضرورة التفريق بين السلعة التكميلية والأساسية التي يجب ضبطها من قبل الوزارة وخضوعها للرقابة في الطلب والعرض، إلى جانب ضرورة أن توفر الوزارة أعلاف من الخارج بسعر أقل لتدعيم إنتاج الدجاج اللاحم، مع ضرورة وقف الاستيراد لما يسببه من انتكاسة للاقتصاد المحلي.

وفي نهاية المطاف فإن من الأهمية ضبط عمليات الاستيراد والسير وفق خطة متكاملة قائمة على تقدير الكميات التي يحتاجها المستهلك من أجل حماية كل من المزارع والبائع والتاجر وصولا للمستهلك.

ويوصي التحقيق بضرورة وضع آلية عادلة في استيراد وتوزيع البيض المخصب بالشكل الذي يسمح بتنمية قطاع الدواجن والحفاظ على الاقتصاد الوطني، مع وضع حد لكبار التجار الذين يحتكرون كميات الدجاج أوقات الأزمات.

البث المباشر