بعد انتظار دام لساعات أمام الصراف الآلي، تمكّن الموظف علاء حمدي من الحصول على راتبه، وشهق نفسا عميقا صحبته ملامح الابتسامة التي رسمت على شفتيه عشية العيد، بعد جولة من الأفكار التي دارت في ذهنه خشية عدم تسلمه راتبه قبل العيد.
هرول حمدي مسرعا إلى المنزل واصطحب زوجته وأولاده إلى السوق لشراء كسوة وحلويات العيد ، وعاد ليستكمل حساباته الخاصة بمصروفات العيد "العيدية".
وتلقى موظفي حكومة رام الله وغزة رواتب شهر يوليو قبل أسبوع من عيد الفطر السعيد، مما أوجد مساحة أمام الموظفين للتحرك في أيام العيد وإنهاء كافة الزيارات دون أن يحملوا هم نقص المصاريف.
وعاد الموظف حمدي نهاية يومه إلى المنزل منهكا وبالكاد يستطيع السير على قدميه بعد يوم طويل أنهك جيبه وأخل بميزانيته، واستلقى على الفراش ليعاود شهق نفسه من جديد، لكن بشكل مختلف عن ذلك الذي تبع تلقيه لراتبه، حيث كان الأول بعد ملء جيبه بالراتب، والثاني بعد فراغها منه.
مصاريف كثيرة
وتتوالى الضربات على رؤوس أولياء الأمور في قطاع غزة كما يقولون، فبينما كانوا غارقين بحسابات مصاريف رمضان والعيد، جاء موسم "كسوة العام الدراسي الجديد"، ليزيد الطين بله، ولسان حالهم بات كما المثل الشعبي "3 ضربات في الراس بتوجع".
الموظف في حكومة رام الله عارف علي (35عاما) اضطر إلى الاستدانة من أخيه مبلغا من المال حتى يتمكن من تحمل مصاريف العيد والمدارس، نظرا لسداده بعض الديون المتراكمة عليه بعد انقضاء شهر رمضان.
ويقول لـ"الرسالة نت":" منذ اليوم الأول لتلقي راتبي، ذهب وكأنه لم يكن، فمصاريف رمضان كانت كثيرة، وجاء العيد مما دفعني للاستدانة من أخي إلى حين يفرجها ربنا، فأنا لدى أربعة أبناء وجميعهم بحاجة إلى ملابس العيد والزي المدرسي وغيرها الكثير".
وتقول حكومة سلام فياض، المسؤولة عن أكثر من 160 ألف موظف، إنها تعاني من أزمة مالية شديدة، نتيجة عدم التزام بعض الدول بدفع تعهداتها للسلطة. وهو ما أثر على الحركة الشرائية العامة في الشارع الفلسطيني، حيث تعتمد هذه الحركة على هؤلاء الموظفين بنسبة كبيرة، وتعد المحرك الرئيس للتجارة الداخلية.
إحباط !!
ولم يكن موظفو حكومة غزة بأفضل حال من سابقيهم، فالأمر قد طالهم بعد أزمة السيولة النقدية التي يعاني منها القطاع، وتأخر صرف رواتبهم إلى ما قبل العيد بأسبوع فقط.
فحال الموظف في حكومة غزة رشيد عز الدين ( 28عاما)، لم يختلف كثيرا عن سابقه، فهو معيل لثلاثة أولاد ومسئول عن رعاية والديه الذين يسكنون معه.
ويقول عز الدين لـ"الرسالة نت":" لم نتنفس بعد من مصاريف رمضان والعيد حتى جاء العام الدراسي ومصاريفه الكثيرة"، مبينا أنه بات يكتفي بشراء ما هو ضروري فقط بعيدا عن الكماليات.
وإن كان حال موظفي القطاع الحكومي كذلك، فما بال حال الأسر الفقيرة التي تنتظر المعونات التي تقدمها الجمعيات والمؤسسات الأهلية؟!، في وقت بلغت نسبة الفقر في قطاع غزة 38%، وفق احصاءات أخيرة لجهات رسمية، فيما تقدر البطالة بنسبة 50%.
ويبدأ الموسم الدراسي الجديد مباشرة بعد عيد الفطر، الذي يتطلب نفقات إضافية لشراء ملابس وأحذية الأطفال، وبعد رمضان، الذي يفرض نفسه بقوة، كل سنة، كشهر يدفع الأسر إلى توسيع وتنويع استهلاكها من المواد الغذائية المختلفة، ووسائل الترفيه.
حذر اقتصادي
توجهت "الرسالة نت" إلى الدكتور معين رجب أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة لمعرفة أثر المناسبات الكثيرة على حياة المواطنين، فقال :" أصبح الغزي يتكيف مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية المفروضة عليه، فيبحث عن البديل لما يعجز عن توفيره، وان لم يجد فانه يؤجل الشراء لحين تحسن الأوضاع".
وأوضح رجب بأن غير القادرين على شراء السلع بسبب ارتفاع الأسعار يحجمون عن شراء بعض السلع الضرورية لأنه لا يملك بدائل أخرى، منوها إلى أن الحصار يؤثر على سلوكيات الأفراد اقتصاديا بشكل متفاوت.
وقال الخبير الاقتصادي للرسالة نت :" قد يكون الغزيون قد اعتادوا الظروف الصعبة , إلا انهم ينظرون للمستقبل بشيء من الحذر والترقب والتهيؤ للاحتمالات السيئة "، وأضاف أن المواطن يتجنب القرارات بعيدة المدى ويعتمد على المعاملات الآنية والوقتية فيما يخص البيع والشراء وغيرها".
إذن، مناسبات مفروضة، وحصارٌ مشددٌ، وأسعار مرتفعة، معاناةٌ ثلاثية الأبعاد، عميقة الجذور، تتضافر كلها لتترك على أهالي قطاع غزة أثراً كبيرا، لا سيما ونحن لا يفصلنا عن العيد سوى بضع ساعات فقط..