لم يكن ياسر مرتجى هو الشهيد الوحيد في مسيرة العودة الكبرى؛ ولكنه كان الشهيد الوحيد على الأقل حتى اللحظة من بين جموع الصحفيين والاعلاميين الذين انبروا للدفاع عن قضيتهم وحقوق شعبهم الذي يعبر بسلمية تامة عن حقه في العودة إلى أرضه التي هُجروا منها عنوة قبل نحو سبعين عاما عجز العالم فيها عن تحقيق ما قرره بشأن عودة المهجرين إلى ديارهم.
ياسر مرتجى كان الأول من بين الصحفيين الذين اغتيلوا على أيدي قوات الاحتلال الارهابية، لم يكن يحمل ياسر حجرا أو سكينا أو إطار كوشك أو زجاجة مولوتوف أو حتى علم لفلسطين يريد أن يزرعه على خط الهدنة الزائل حتى يشكل خطرا وجوديا على هذا الكيان الغاصب.
ياسر مرتجى كان يحمل ما هو أخطر على الاحتلال، كان يحمل كاميرا تسجل ما تراه عين ياسر من جرائم للمحتل ترتكب ضد الشعب الفلسطيني، يوثق ومن ثم ينشر ما توثقه الصورة فقط، بالصورة كي يظهر للعالم بأن هذا المحتل المجرم يستهدف الحقيقة المجردة التي تظهرها الكاميرا والتي عمل الاحتلال سنوات طوال على إخفائها من خلال حجبه للحقيقة وتقديم الاكاذيب والروايات المشكوك فيها معتمدا على سيطرة صهيونية على وسائل الاعلام العالمية، هذه السيطرة مكنته من تقديم روايته المكذوبة على أنها الحقيقة.
اليوم تبدلت الصورة وجاءت الحقيقة كي تفضح كذب الاحتلال وتبين جرمه المشهود والموثق وهو يواجه شعب أعزل بالرصاص المتفجر وبالغاز المدمر للأعصاب والمسيل للدموع ، ومن هنا كان استهداف قوات الاحتلال لياسر، هذا الاستهداف كان للحقيقة الكاشفة الفاضحة لجرائمه التي حاول شهيدنا البطل تسجيلها لعرضها حتى تتبين حقيقة هذا المحتل والتي لا يملك نفيها أو تكذيبها؛ لأن الصورة لا تكذب، ولأن الصورة تتحدث دون أن يطلب منها أحد الحديث؛ لأن الصورة تتحدث بكل لغات العالم ويفهما من يعيش في مجاهل افريقيا فيدركوا الحقيقة التي يسعى الاحتلال إلى إخفائها عن العالم وإذ بهذه الحقيقة تكشف عورته وتظهر حقيقة إجرامه وبطشة، ومن هنا تم استهداف ياسر.
ياسر لم يكن مجهولا أمام المجرم الذي أطلق عليه رصاصة متفجرة قنصا ونقول قنصا لأن ياسر كان يرتدي ما يؤكد أنه صحفي، كان يرتدي واقيا وخوذة وإشارة الصحافة، ورغم ذلك أطلقت عليه رصاصة القناص في مكان مكشوف من الوقاية قد لا تتجاوز مساحته بضع سنتمترات ما بين الصدر والحوض لتصيبه في مقتل لينقل إلى المستشفى ليلقى الله شهيدا بعد أن مزقت هذه الرصاصة الغادرة كل أحشائه ولم يتمكن الأطباء رغم كل ما بذلوه من جهد أن يوقفوا هذا النزيف من الدم المتدفق منه حتى لقي الله شهيدا.
هذا هو الاحتلال المجرم وهذه هي أدواته الارهابية التي بها تمكن من البقاء كل هذه السنوات وقتل وشرد ودمر مدعوما من قوى البطش العالمية أمريكا وأوروبا دون ضمير فما كان منه إلا مزيدا من البطش والتنكيل والاجرام.
رحمك الله يا ياسر ستبقى دماك خارطة الطريق لكل الصحفيين والاعلاميين ولأبناء شعبك على خطاك يسيرون ولن ترهبهم رصاصات التفجير، ولا حقد يهود، ولا ظلم ذوي القربي، ولا موت الضمير الذي يلف العالم فيجعله صامتا لا يحرك ساكنا بل ويجعل منه شريكا في القتل.
ياسر قلتها لن يرهبنا بطشكم ولا قتلكم ولا إجرامكم وسنمضي مع شعبنا نحو إعادة الأرض والعودة إلى الديار، فقد نزعنا الخوف من قلوبنا وسنحقق ما عجز العالم عن تحقيقه.