"الطريق للخيام مش صعب بس الرجولة في الثبات"، هذه القاعدة رسخت في وجدان الحاجة خديجة النجار وباتت تحدث بها كل من يحاورها، وهي تتوسط إحدى خيام "العودة" المنصوبة على الحدود الشرقية لمدينة غزة.
وترى الحاجة النجار التي تخطى عمرها الـ 80 عاماً في مسيرات العودة الكبرى بارقة أمل للعودة إلى قرية هوج التي لا يزال شريط ذاكرتها يحفظ أشتال القمح والخضرة التي كان يغرسها والدها المزارع، قبل أن تجبره العصابات الصهيونية على سلوك طريق الهجرة لقطاع غزة عام 1948.
يلتصق حفيدها محمد بجنبها الأيمن وبيده خبزة زعتر كانت قد جلبتها مع بعض المتاع، كون مشاركة في ثاني جمعة لمسيرات العودة (جمعة الكوشوك) امتدت منذ بدايتها وحتى حلول الظلام، حيث أخبرت "الرسالة" أنها جلبت 5 من أحفادها لتغرس فيهم حب الأرض وحلم العودة.
كانت الحاجة المملوءة بأمل العودة أولى المحطات التي وصل إليها مراسل الرسالة نت، في جمعة (الكوشوك)، حين قرر تخطي خيام العودة والتقدم قليلاً، لمخاطبة أصحاب العزيمة الصلبة الذين يسبحون وسط غمامة قنابل الغاز البيضاء ويقفون دون خوف أمام قناصة الاحتلال الذين تشوشت رؤيتهم بعدما ساد دخان احتراق الكوشوك.
يخبرنا الفتى يوسف أبو نحل أنه ترك الخوف في منزله، وأتى بقلبٍ لا ترهبه الرصاصات الحاقدة التي تتجول بين المتظاهرين لتقتل وتصيب أكبر عدد منهم، بينما باتت قنابل الغاز لعبة لديه، بعد أن قطع حديثنا معه وأسرع لإبطال مفعولها مستخدماً وعاء بلاستيكيًا لحجب الهواء عنها.
أما أحمد صديق يوسف فقد أكملنا الحديث معه وهو يسير نحو المقدمة حاملاً بكلتا يديه إطاري كوشوك من أجل وضعهما على جبل الكوشوك المشتعل.
برفقة العشرات من الشبان جمع أحمد الإطارات واحداً تلو الآخر بعد أن جاب (بتكتكه) شوارع غزة وأزقتها بحثاً عنها بهدف إعماء القناصة "الإسرائيليون"، الذين نالوا من ساق صديقهم الثالث قبل أسبوع.
وحين طرحت "الرسالة نت" على الشاب أحمد السؤال المعتاد، ألا تخيفك قناصة الاحتلال التي اخترق رصاصها جسد صديقك، استقبله وكأنه طرفة بعد علو صوت ضحكته وامتزاجها بصوت تكبيرات الثائرين المطالبين بعودتهم، وكانت إجابته إما العودة للمجدل أو الذهاب للجنة، لينهي حديثنا القصير معه باقترابه من السلك الفاصل ودخوله بمنطقة الخطر.
ارغمتنا قنابل الغاز التي تحبس الأنفاس على مغادرة منتصف ساحة جمعة الكوشوك، التي كانت نهايتها خيمة ظلام وجهتها الرياح وصنعها أبطال قطاع غزة وتقوقعت أمام الجندي "الإسرائيلي" القاتل الذي اضطر للانسحاب للخلف وإطلاق الرصاص الحي بشكلٍ عشوائي وجبان خوفاً من أن يطاله غضب المطالبين بعودتهم.
وينقل جمال خضر "للرسالة نت" ما شاهده أثناء تواجده في الصفوف الأمامية لجمعة الكوشوك، بعد عودته مع حلول الظلام، يقول صاحب ال 34 عام: "إن دخان الكوشوك جعل جنود الاحتلال مثل الطفل الحائر، فكلما حاولوا الاقتراب من السلك الفاصل عادوا تاركين سلاحهم بعد اختناقهم وإغلاق الضباب الأسود عليهم منافذ الرؤية بشكلٍ كامل".
ويضيف الناشط المهجر من قرية نجد المحتلة، "جاءت فكرة الكوشوك بعد استخلاصنا الدروس من الجمعة الأولى للحراك، وقررنا أن نشوش على القناصة المختبئتين خلف السواتر الترابية بضبابها، ونجحنا بهذه الفكرة التي استطاعت أن توصل رسالتنا لكل الدول العالم، وتبقى شاهداً على مقاومتنا السلمية لإبطال مفعول القتل "الإسرائيلي" الذي أثبتنا مجدداً أنه لا يميز بين السلمي والمسلح".
وعن الجمعة المقبلة، أكد خضر أن شباب الحراك سيستمرون في مقاومتهم وسيجدون مزيداً من الطرق والأساليب الشعبية لمقاومة الاحتلال "الإسرائيلي" الجاثم على القرى الفلسطينية المحتلة، والمطالبة بحق العودة وفق قرار الأمم المتحدة 194 وفك الحصار عن قطاع غزة، ولن يبرحوا حتى يصلوا إلى هدفهم.