قبل رمضان بأسابيع يتحلق الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال في حلقات لوضع الخطط الرمضانية وصنع زينة من ورق الجرائد وشراء التمور استعدادًا لاستقباله، غير متناسين الألم الذي ينخر بقلوبهم شوقًا للأهل وتوقًا للمة العائلة.
ويعد رمضان في السجون قاتلًا للروتين الذي يعاني منه الأسرى، في ظل تشابه كل الشهور في الزنزانة، فيأتي رمضان لينقذهم من الملل الذي يعشونه مستعدين لأجوائه قبل حلوله بأسابيع.
طقوس رمضان المختلفة داخل السجون يرويها لـ"الرسالة" الأسير المحرر "ثامر سباعنة" مستهلًا حديثه: "رمضان في الأسر له طعم آخر عند الأسرى لكن ذلك لا ينفي أنه ينبش أشواقهم الدفينة لأهلهم، خاصة وقت لمتهم حول مائدة الإفطار فيتذكرون أن مقعدًا فارغًا خارج السجن يشعر أهله بالغصة أيضًا".
ورق الزينة الذي يصنعه الأسرى من الجرائد ويعلقونه في زنازينهم فوق أسرتهم، تكون بمثابة انتصار على السجان الذي ينتظر مواسم الفرح كرمضان حتى يضيق على الأسرى ليشعرهم بالحرمان.
يبدأ الأسرى قبل أسابيع بشراء الحاجيات الأساسية لرمضان من الكانتينا أو يطلبونها من ذويهم، بحسب ما يسمح بإدخاله من قبل مصلحة السجون، خاصة التمور منتظرين تحديد بدء رمضان.
فما إن يعلن عبر التلفاز عن متمم شعبان وغرة شهر رمضان، يتبادل الأسرى التهاني والتبريكات وبطاقات شحذ الهمم، يبدؤون بعدها بتنفيذ الخطط الرمضانية التي وضعوها.
في ساحات القسم أو الغرف أو الخيمة ينتشر الأسرى بعمل دؤوب منذ أول صباح في رمضان، تحضيرًا لإعداد الحلقات الرمضانية في قراءة القرآن والذكر والدعاء، وصفهم "سباعنة" بخلية النحل.
في ساعات الظهر وحين يشتد التعب عليهم يعم هدوء أرجاء المكان، فأحدهم يكون غط في قيلولته وآخر يتابع التلفاز وغيره ينشغل في قراءة الكتب.
"وقت اقتراب موعد الإفطار يتجمّع الأسرى في حلقات الذّكر والدّعاء من جديد، بينما يبدأ الأسرى المسؤولون عن الطبخ لإعداد الطعام وخاصة "الشوربة" التي تعتبر الوجبة الافتتاحيّة في الإفطار، ويبدأ بعضهم بتوزيع التمور على البقيّة" يحكي "سباعنة.
مع صوت المؤذن يسارع الجميع في تناول حبات التمر وطبق الشوربة المُعدّة لهم، ثم يؤدون صلاة المغرب جماعة، وبعدها تبدأ وجبة الإفطار.
وفي موعد صلاة التّراويح يُحضّر الأسرى الدروس والمواعظ، والمسابقات الدينية الهادفة، وبعد الصّلاة يكونون أحرارًا كُلٌ حسب قدرته في قيام الليل أو قراءة القرآن والكتب الهادفة، يقول "سباعنة": "في رمضان يتسابقون في التقرب إلى الله بالطاعات؛ فهذا ختم القرآن أربع مرّات وذاك عشرًا، وأسير آخر يقوم ربع اللّيل وآخر نصفه وذاك كله".
يدرك "سباعنة" أن محاولات الأسرى في خلق أجواء من السعادة إنما تأتي من واقع السجن المرير الذي يعيشونه، فيحاولون التعويض عن الأهل فيعدون الطعام وبعضهم يصنع الحلوى البسيطة من الخبز البائت والتمر واللبن، وآخرون ممن يمتلكون صوتًا عذبًا يقضون أوقاتهم في النشيد وإقامة الأمسيات الرمضانية والسهرات الروحانية.
ولم تكتف إدارة الاحتلال بحرمان الأسرى من ذويهم بل تنتهز فرصة حلول رمضان للتنغيص على الأسرى والضغط عليهم وإذلالهم، يتابع "سباعنة": "يمنعون أحيانًا دخول الكانتينا قبل رمضان وفي أيامه وتضايق الأسرى أثناء تناول وجبة السحور وقطع الكهرباء عنهم، عدا عن منعهم من أداء صلاة التراويح في الساحة بمعظم السجون".
كل التضييقات والتنغيصات من إدارات السجون يقابلها الأسرى بمزيد من التحدي والإصرار لقهر السجان، وهم يتوقون في كل عام أن يكون رمضانهم الأخير بعيدًا عن لمة العائلة.